أ.د.جاسم الطيف جاسم الجليل

استاذ في التاريخ الإسلامي/ تاريخ المغرب والاندلس / جامعة سامراء / كلية التربية/  قسم التاريخ.

drjassim02@gmail.com

+9647704290844

د.أمل حمودي رشيد

تدريسية في وزارة اتعليم العالي والبحث العلمي amal.rashid72@gmail.com

+9647706508486

الملخص:

ان الدين الإسلامي من الديانات التي انتشرت اكثر من غيرها في الأقاليم والمجتمعات المختلفة لاسيما بعد القرن الثاني واثناء الفتوحات الإسلامية بالشرق والغرب على حد سواء، وقد رافقت هذه الفتوحات اقبالا شديدا بالجخول للدين الإسلامي واعتاقه، وبمرور الوقت  واتساع الرقعة الجغرافية للدين الإسلامي، ظهرت حركات دينية عديدة بسبب عوامل مختلفة وعديدة منها قلة المعرفة الحقيقية بمبادئ الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية ما تحمله من اهداف سامية لبناء مجتمع إسلامي وانساني متطور ومزدهر في ظل نشر العلم والمعرفة، ومن هذه الحركات الدينية التي كان لها تأثير كبير في الجانب الاجتماعي هي الحركة الصوفية التي ظهرت بين أقاليم الإسلامية وبدأت من الكوفة منتشرة فيما بعد الى المدن المجاورة لها ومن ثم بمرور الوقت انتقلت الى الأقاليم الشرقية والغربية لتصل الى كل البقاع الإسلامية، وقد نالت هذه الحرة اهتمام الباحثين في التاريخ الإسلامي من المستشرقين، ومنهم المستشرق البلجيكي هنري لامنس المعروف بتعصبه على الإسلام وشريعته عن طريق كتاباته التي انتشرت بين الأوساط العلمية للحضارة والتراث الإسلامي في واربا لاسيما فرنسا ومحاولة منه في ارجاع هذه الحرة الدينية –أي التصوف- الى جذور نصرانية، وبالتالي يكون هدفه ارجاع تعاليم الدين الإسلامي الى النصرانية ايضا ، ومن هنا جاءت أهمية تسليط الضوء على ما جاء في كتابات هنري لامنس، والرد عليها ردا علميا بالاستشهاد بالاياتالقرانية المباركة التي طالما استخدمها لامنس –بعد قطع جزء منها او تفسيرها حسب ميوله- لاقناع القارئ بارائه الضالة والمضلة.

 

Sufism in the writings of the Belgian orientalist

Father Henry Lamense

(1937 AD)

Prof. Dr. Jassim Al-Taif Jassim Al-Jaleel

Professor of Islamic History / History of Morocco and Andalusia University of Samarra / College of Education / Department of History.

Dr. Amal Hamoudi Rashid

Teaching at the Ministry of Higher Education and Scientific Research

 

Abstract

     Sufism is one of the Islamic sects that emerged in the third century AH / ninth century AD and crystallized in its new form to be one of the religious movements that emerged in the Islamic world, especially in the African side of the Arab world, including Egypt, Libya and Sudan. This movement has won the attention of historians in Islamic history, including European orientalists, and among these orientalists orientalist Belgian origin Father Henry Lammens (d.: 1937 AD), who wrote about Sufism in his writings, including his book Al-Sumam (Islam beliefs and systems) printed in 1914 AD, He dealt with their definition, and their beliefs about monotheism and prophecy, which has long linked and connected them to Christian beliefs, and the ways of their spread and places, as well as the most important pillars of this movement, which is their interpretation of the Holy Qur’an, and the most important prominent Sufi figures such as scholars, to link it all to the Orthodox faith aimed at forming a revolution in the reader’s imagination, which is that Sufism is only a reflection of the beliefs of Christian priests and monks embodied in the Islamic religion.

المقدمة

تعد الصوفية من الحركات الإسلامية التي ظهرت في العصر الاسلامي ،ونشطت في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي ، وتبلورت بشكلها الجديد لتكون إحدى الحركات الدينية التي برزت في العالم الإسلامي شرقا وغربا. وقد نالت هذه الحركة اهتمام الباحثين والمؤرخين في التاريخ الإسلامي ومنهم المستشرقين الأوربيين، وقد سعى بعض المستشرقين الى دراسة هذه الحركة الدينية وكيفية نشوئها ومن ثم جذب اتباع لها ، لتصل الى حد الانتشار بين المجتمع الإسلامي شرقا وغربا، ومن بين هؤلاء المستشرقين المستشرق البلجيكي الأصل الأب هنري لامنس (ت: 1937م) الذي كتب عن التصوف في كتاباته ومنها كتابه الموسوم ( الإسلام عقائد ونظم ) والذي طبع في روما سنة 1914م، فتناول تعريفهم ومعتقداتهم حول التوحيد والنبوة  التي طالما يربطها بالمعتقدات النصرانية ، وطرق انتشارها وأماكنها ، وآرائه لأهم ركائز هذه الحركة وهي تفسيرهم للقرآن الكريم، وأهم الشخصيات الصوفية البارزة كالعلماء، ليربط ذلك كله بالعقيدة الارثوذكسية وهدفه تشكيل صورة في مخيلة القارئ وهي بأن الصوفية ما هي إلا انعكاس لمعتقدات القساوسة والرهبان النصارى تجسّدت في الدين الإسلامي.

  • مشكلة البحث :

تتمثل مشكلة البحث في آراء الأب هنري لامنس في التصوف من محاوره جميعها بما فيها العقيدة، وطرق العبادة، وشعائر المشايخ ، وكل ما يتعلق بهذه الحركة الإسلامية، محاولة منه لربطها بالنصرانيةلكي يصل الى غايته المنشودة وهي ترسيخ فكرة لدى القارئ بأن الدين الإسلامي ما هو إلا دين تابع للنصرانية ونابع من تعاليمه وشريعته، هذه الفكرة التي طالما حاول لامنس تكرارها في مؤلفاته وكتاباته حول الإسلام .

  • أهمية البحث:

تأتي أهمية البحث في بيان آراء هنري لامنس المتعصبة على الإسلام ونبيه الكريم ، وكل تعاليمه التي تدعو الى الإنسانية والقيم الرفيعة، عن طريق الزهد في الدنيا لكن بالحدود التي رسمتها الشريعة الإسلامية الغرّاء.

  • أهداف البحث:

الهدف من البحث هو الرد على آراء المستشرق البلجيكي هنري لامنس في التصوف وبأنّه لا علاقة للتصوف بالنصرانية، عن الطريق الأدلة العقلية والنقلية ، وإن وجه التشابه بينهما نابع من كون المنشأ واحد وهو الله عز وجل الذي أكد على الزهد والعزوف عن ملذات الدنيا في رسالاته السماوية جميعها، وإن التصوف أو الزهد في النصرانية بعيدة عن حركة التصوف في الإسلام.

  • حدود البحث:

تقتصر حدود البحث على حركة التصوف التي ظهرت بالانتشار بين الأقاليم الإسلامية في الحقبة الزمنية للقرون الستة الأولى من التاريخ الإسلامي.

 

  • فروض البحث:

تمثلت فروض البحث بالحلول المفترضة لمشاكل البحثفي المعرفة التاريخية الوافرة والمنسجمة مع المنطق والمساعدة على اكتشاف الحلول لمشلكة البحث التاريخية، عن طريقتنظيم المعلومات وتجميعها والمعرفة التاريخية، باستعمال الطرائق العلمية واتخاذ كل ما يلزم لتكون موضوعية.

  • الدراسات السابقة:

توجد دراسات عدة في التصوف منها :

-التصوف في بلاد ما وراء النهرين من القرن الثالث وحتى نهاية القرن السابع الهجري –دراسة تاريخية للطالب أحمد نزهان حازم ،مقدّمة الى جامعة تكريت للعلوم الإنسانية.

– الصلات بين متصوفة العراق ومصر خلال القرنين السادس والسابع الهجريين، للطالبة ولاء محمود جمعة ،مقدمة الى جامعة سامراء كلية التربية.

– دراسات في الفكر الاندلسي للدكتور الأستاذ جاسم الطيف جاسم الجليل دار الوان للمطبوعات بغداد، 2018م.

أما  أهم الدراسات الأكاديمية التي تناولت الأب هنري لامنس بشكل موسع ومراجعة آرائه وكتاباته هي:

  • صورة أصحاب الكساء، بين تجني النص واستباحة الخطاب الاستشراقي، (هنري لامنس أنموذجاً) ، للطالب شهيد كريم الكعبي، اطروحة دكتوراه غير منشورة، (جامعة البصرة /كلية الآداب لسنة (1437هــــ/ 2016م) .
  • السيرة النبوية للاستشراق البلجيكي هنري لامنس انموذجا ، امل حمودي رشيد ، أطروحة دكتوراه غير منشورة، (جامعة سامراء، كلية التربية، لسنة 2022م)
  • منهجية البحث:

نظرا لطبيعة البحث للوصول الى نتائج حلول مشكلة البحث فان المنهجية التي تم الاستعانة بها هو المنهج التحليلي الذي يعتمد على تفكيك عناصر البحث الأساسية، لدراستها والوصول لأحكام وقواعد صحيحة ، وكذلك الاستعانة بالمنهج المقارن الذي يعتمد على المقارنة في آراء هنري لامنس وما كتبه عن التصوّف وبين التصوّف وآراء لامنس لبيان أوجه الشبه والاختلاف بين الظاهرتين.

  • نبذة عن هيكلة البحث:

يتكوّن البحث من محاور عدّة تبين أهم ركائز البحث  وهي على النحو الآتي:

أولا: تعريف التصوف.

 ثانيا: لمحة عن الأب هنري لامنس.

 ثالثا: آراء هنري لامنس في نشأة التصوف.

رابعا: آراء هنري لامنس في عقيدة الصوفية بأصول الدين.

خامسا: آراء هنري لامنس بعلاقة الصوفية بالنصرانية.

سادسا: أهم علماء الصوفية في كتابات هنري لامنس.

 

التصوّف في كتابات المستشرق البلجيكي الأب هنري لامنس (ت: 1937م)

أولا: مفهوم التصوّف لغة واصطلاحا:

التصوّف لغة: ترجع لفظتا التصوّف والصوفيّة الى الفعل صوّف (الصادوالواو والفاء) (ينظر: أبو منصور، 2001م، ج12، ص173)،أي جعله متصوّفا أي اصبح صوفيا.(رينهارت بيتر آن دُوزِي، 2000م، ج6، ص483)؛ كما وردت لفظة التصوف في شرح ابن فارس بقوله: ((الصاد والواو والفاء أصل واحد صحيح، وهو الصوف المعروف… وصوفة: قوم كانوا في الجاهلية، كانوا يخدمون الكعبة، ويجيزون الحاج.)).(ابن فارس، 1979م، ج3، ص322).

اما ابن خلدون(ت: 808ه/ 1406م)،  فقد كان له رأيآخرفي لفظة التصوف إذ انه لم ينسبه الى اللغة العربية بقوله: (( ولا يشهد لهذا الاسم اشتقاق من جهة العربية ولا قياس والظاهر أنه لقب ومن قال اشتقاقه من الصفا أو من الصفة فبعد من جهة القياس اللغوي)). (ابن خلدون، 1984م، ص467)

وهنا المقصود بالتصوف لغة انه العلم بأصول موروثة من تصحيح اعمال الانسان باطنا وظاهرا عن طريق التوجه لله عز وجل بصدق التوبة حتى عرفوا بــــــ: ((ملازمة الكتاب والسنة، وترك الأهواء والبدع، وتعظيم حرمات الشرع، ورؤية العذر للخلائق، والمداومة على الأوراد، وترك الرخص والتأويلات)). (زروق، 2006م، ص19.)

التصوف اصطلاحا: وردت تعاريف عدة عن معنى التصوف والصوفية في المصادر التاريخية، عبر كل تعريف عن وجهة نظر معينة، أشهرها وأهمها هي:

– إن الصوفي مع الله كالصوفة المطروحة، لاستسلامهم لاوامر ونواهيالله عز وجل. (ينظر: الكلاباذي، 2007م، ص24-25)

– البعض ارجع لفظة الصوفية الى اهل الصفة وهو لفظ اطلق علىالمساكين من المهاجرينالذين كانوا يجتمعونفىأحد اضلع مسجد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) (أبو منصور،2001م، ج12، ص58)، ممن لم تكن لهم بيوت او مساكنيأوون اليها فأمر رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) ببناء فناء ملحق بالمسجد من اجلهم. ( الزمخشري، 1998م، ج1، ص564).

–  الصوفية نسبة الى لفظة الصفاء والصفو من الشرور وشهوات الدنيا، وهذا الاشتقاق غير صحيح لغويا فالنسبة الى الصفاء ، وهذا ما عبر عنه بشر الحافي (ت225 هـ /839 م) بتعريفه للصوفية بأنه قال: (( الصوفي من صفا لله قلبه)). (فريد الدين العطّار النيسابوري،2006م، ج١، ص١١٢)

– الصوفية نسبة للبسهم الصوف الذي يعد لباس الزهاد والعباد واولياء الله من الأنبياء والمرسلين. (ينظر: الكلاباذي، 2007م، ص24-25)

-إن من اتبع الزهد بالدنيا وابتعد عن ملذاتها ملتزما بالورع والتقشف يسمى متصوف او صوفي، وقد تبلورت أفكار هؤلاء العباد بمرور الوقت حتى اصبح هناك علم يعرف بعلم التصوف وقد ذكره ابن خلدون بتعريف يرفع الغموض عنه بقوله: ((هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة ، وأصله  إن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الامة وكبارها من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم طريقة الحق والهداية))، ( ابن خلدون، 1984م، ص370) كون اصل هذه الحركة هي العبادة والانقطاع لله عز وجل ، والميل عن زخارف الدنيا وزينتها والابتعاد عن الناس بالخلوة للعبادة لانه كان خلق ثلة من الصحابة الأوائل ممن عاصر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).

يتضح مما سبق ذكره  ان الصوفية هي مجموعة سلوكياتلطريقة معينة أساسها التخلي عن ملذات الدينا والتقشف والتحلي بالفضائل الرفيعةليزكو صاحبهابالنفس، ويسمو بروحه، و(علم التصوف) مجموعة المبادئ التي يعتقدها المتصوفة و الآداب التي يتأدبون بها في مجتمعاتهم وخلواتهم.(ينظر: إبراهيم مصطفى واخرون ،د.ت، ج1، ص529.)

  • منهم من فسر كلمة الصوفية بانها مشتقة من لفظة الصوفي ( Sophy) وتم ربطها بكلمة غنوص التي تعني (العارف)، وغنوصة أي (المعرفة) لتترجم اللفظتان الى عبارة (الولي العارف) او (علم التصوف) او (المعرفة الصوفية)، وبقي معنى لفظة صوفي (Sohpy) قريب من معنى غنوص (العارف). (ينظر: منصور، 2000م، ص19).

ثانيا: لمحة عن الاب هنري لامنس:

يعد الاب هنري لامنس من الشخصيات الاستشراقية البارزة على صعيد الوطن العربي ولاسيما في بيروت التي تعد منطقة استيطانه ونفوذه ، ومن هنا لابد من تسليط الضوء على اهم جوانب حياة هذا المستشرق الذي ترك بصمة واضحة في مجال الاستشراق في محور التاريخ الإسلامي واهم هذه المحارو هي:

  • اسمه:ورد اسم المستشرق البلجيكي المولد، الفرنسي الجنسية، اللبناني الاقامة في جميع مؤلفاته باسم (Henri Lammens = هنري لامنس)، (ينظر: بدوي، 1993م، ص503.) الا انه ورد اسمه (هنريكوس) في كتابه (فرائد اللغة: في الفروق) الذي نشر في بيروت عام (1889م).  (ينظر: لامنس، هنريكوس، د.ت ،ج25، ص190).
  • مولده ونشأته:ولد في مدينة جَنت البلجيكية في الاولمن شهر تموز عام (1278ه/ 1862م) ( ينظر: بدوي، 1993م، ص503) ينتمي الى عائلة مكونة من ستة اولاد، وكانت والدتهم مسؤولة عن رعايتهم فتحملت اعباء الحياة الصعبة لوحدها بسبب غياب الاب عن المنزل في ظروف قاسية، هذا الامر جعل لامنس يعيش العوز والحرمان منذ طفولته،وعلى الرغم من ذلك إلا أنه كان من التلاميذ المميزين في تعليمه الاولي (في المرحلة الابتدائية)، بعدها انضم إلى المدرسة الرسولية بإشراف يسوعي في ((The land of missionaries breeding اي (أرض تربية المبشرين) (ينظر: توتل، 1937م، ص162)، ثم ترك مسقط رأسه في سن الخامسة عشرة من عمره وقدم الى لبنان سنة (1294ه / 1877م)،إذ دخل دير الابتداء (وهو احد الاديرة الموجودة في قرية غزير في لبنان. ينظر: حلاق، 2009م، ص142-143)، في قرية غزير، إذامضى سبع سنوات في دراسة اهم انواع العلوم الادبية وهي: البيان،والخطابة العربية، واللغات، حتى اصبح ضليعاً بمفرداتها وتراكيبها وضبط أصول فقهها، وهذه الخطوة تعد نقطة تحول في حياة الاب لامنس من عالمه الأوربي وقطع علاقته بأسرته في بلجيكيا ليستوطن احدى مدن العالم العربي والإسلامي وهي بيروت عاصمة لبنان. (ينظر: يوهان، فوك، 2001م، ص 306- 307.)
  • تحصيله الدراسي:عندما استقر لامنس في بيروت كرّس جهودهلتطويرعلميتهفتقدم للدراسة بالكلية اليسوعية ببيروت واصبح تلميذاًفيها سنة ( 1295هــــ/ 1878م)، إذ امضى فيها خمسة أعوام ليتخرج منها سنة (1301هـــ/1884م) وكان من الاوائل المتميزين الذين اثاروا انتباه اساتذته (ينظر: العقيقي، 1964م، ج2، ص1068). وبهذا كان الاب لامنس جامعا بين العلوم الدينية إذ نشأ على العقيدة النصرانية وترسخت في ذهنه، وبين تعلمه سائر اللغات الأوروبية القديمةحتى أتقنها، كاللغة اللاتينية واليونانية، حتى أنه اصبح خبيراً بقراءة كتاباتها الأثرية، فضلا عن العلوم الاخرى التي اكتسبها في جامعة القديس يوسف الكاثوليكية في بيروت ولاسيما علوم اللغة العربية، لتبدأ رحلته العلمية  ( الجنيدي، 2015م، ص345-346.).
  • مناصبه العلمية: تسلم الاب لامنس وظائف ومناصب علمية عدة في بيروت موطنه الثاني، أهمها: استاذ للخطابة والبيان سنة (1304هـــ / 1886م)(ينظر: مراد، معجم اسماء المستشرقين، ص940)،عين بوظيفة معلم لمادة التاريخ والجغرافية في جامعة القديس يوسف سنة ( 1321هــ/1903م) (ينظر: مراد، 2004م، ص940.)، وبعدها وظيفة استاذ لمادة التاريخ الاسلامي سنة (1325هــ/ 1907م)فضلا عنتسنّمه منصب أستاذ في معهد الدروس الشرقية المؤسس في الكلية، مما وفر له وسائل الاختصاص لمعرفة اكثر عن التاريخ الإسلامي المتوفرة في دور الكتب،ومرافق التعليم والتأليف، فتعمـق اكثر فـي التنقيب والبحث والاسـتنتاج، وصـار علما من اعلام عصره (ينظر: بدوي، 1993م، ص503.)، كما تسنّممنصب مدير ادارة مجلة المشرق سنة (1346هــ/1927م) وهي مجلة فصلية تصدر عن اليسوعيين في بيروت، وقد كتب فيها العديد من المقالات في هذه المجلة ( العقيقي، 1964م، ج2، ص1068).
  • رحــــلاتــــه:كانت للاب لامنس رحلات عدة في اوربا والوطن العربي لأغراض متنوعة ومختلفة منها من اجل الدراسة كسفرته الى إنكلترا وبيروت لدراسة علم اللاهوت ، والى المانيا لاتقان لغتها ، والى مدن بلاد الشام ذات الطابع الاثري لدراسة اثارها ولاسيما تلك التي ترتبط بالحروب الصليبية، ومن رحلاته أيضا ما هي لأغراض التدريس كسفرته الى مصر ليشغل منصب أستاذ المدرسة اليسوعية بالقاهرة والاسكندرية، كما سافر الى مدن أخرى للمشاركة في المؤتمرات.
  • نشاطاته السياسية: ارتبط اسم الاب هنري لامنس بالاستعمار الفرنسي ولذلك لوجود علاقة وثيقة بينهما فقد كان يسعى للحفاظ على المصالح الفرنسية في بلاد الشام وكان هدفه دعم المشروع الفرنسي الاستعماري في سوريا ولبنان، عن طريق نشاطه السياسي في المجتمعات السورية واللبنانية مستغلا ما يملكه من تأثير على تلامذته ولاسيما النصرانيين منهم (ينظر: الصليبي، 2013م، ص169.)
  • نتاجه الفكري: تنوع نتاج لامنس الفكري في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية والتراثية، وحتى محاور اللغة العربية التي صنف فيها معجم للمرادفات اللغة العربية بعنوان ( فرائد اللغة في الفروق) والجغرافية منها كتابه ( دراسات في الجغرافيا والسلالات الشرقية)، ( منوعات الكلية الشرقية، بيروت، العدد السابع، 1919م)، اما في العصور التاريخية فقد كتب لامنس الكثير من المؤلفات في هذا المجال أهمها كتابه (فاطمة وبنات محمد باللغة الفرنسية) ، وكتابه (الإسلام المعتقدات والمؤسسات باللغة الفرنسية ثم ترجم الى اللغة الإنكليزية) ، الذي جمع فيه اغلب مؤلفاته عن السيرة النبوية والدين الإسلامي، ومن الجدير بالذكر ان اغلب مؤلفات الاب لامنس كان قد كتبها باللغة الفرنسية ولم يكتب في مجال التاريخ الإسلامي باللغة العربية (رشيد ، السيرة النبوية في الاستشراق البلجيكي هنري لامنس انوذجا، ص73-77)، على عكسمؤلفاته في الادب والقصص التي كتبها باللغة العربية ضمن سلسلة كتاباته في مجلة المشرق (ينظر:العقيقي، المستشرقون، ج2، ص1071-1072).

 

ثالثا: اراء هنري لامنس في تعريف التصوف ونشأته:

عرض الاب لامنس اشهر الآراء فيتعريف التصوفأو الصوفيةمبينا ان هذا المصطلح اشتق من الصوف المأخوذ من الشاة، ممن عرف بارتداء ثوب الصوف لذلك سموا بالصوفية،(ينظر:Lmmen:Islam. Beliefs and  Institutions,,PP 14) ، كما انه ساند الرأي الانف الذكر القائل بانهم سموا بالصوف تقليداللرهبان المسيحيين. والصوفي المرادف لكلمة الفقير ، كما انه ذكر معنى الصوفي بالفارسي المتمثل بمعنى (الدرويش الفارسي)، وقد فسره لامنس بانه (يعني المتسول) (ينظر: Lmmen:Islam. Beliefs and  Institutions, pp14).وقد اكد لامنس  اثبات الآراء التي يعتقد بها بانهيالصوفية ما هي الا محاولة انفصال الصوفية عن العالم،كما انه أورد معنى الصوفية  في شمال غرب أفريقيا  أي المغرب وقد أطلق عليها بشكل عام لفظة (المرابطين ) والمقصود بهم المتصوفين المعتكفين على العبادة ، من “المرابط” ، وهو الذي يعيش الزهد في “الرباط”. ثم بعد ذلك اتسع المعنى للمرابطوسميت به الحصون الصغيرة التي أقيمت على طول حدود الدولة الاسلامية في المغرب، وكذلك  شمل هذا المعنى أي الرباط ضواحي المراكز الحضرية ، إذ استقر أول من تبنى الصوفية عشاق العزلةباختيارهم، ورغم انه عرفها بهذه التعاريف الا انه اطلق عليها في نهاية كتابته بان التصوف ما هو الا خرافة الإسلام والمسلمين (ينظر :Lmmen:Islam. Beliefs and  Institutions, pp14).

يتضح مما سبق ذكره  ان لامنس جمع أشهر واهم التعاريف المتداولة عن التصوف والصوفية لغة واصطلاحا الا انه اغفل  او تغافل عن توضيح تدرج تلك المعاني حسب ظهور التصوف بين فئات المسلمين منذ أواخر القرن الثاني للهجرة/ الثامن الميلادي ولغاية يومنا هذا إذ إن اطلاق لفظة المرابطين على الصوفية لم تظهر الا أواخر  القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي، وإن هذه التسميات جاءت حصيلة قرون من التعريفات المتتابعة للمؤرخين وعلماء المسلمين وغيرهم لقرون عدة. (ينظر: الجليل،2018م، ص14)

اما نشأة التصوف فقد ذكر لامنس في كتاباته بان الافكار الصوفية قداختلطت بشكل كبير بالمفاهيم الأخروية وابتعدت عن الأمور الدنيوية ، التي تميزت بها بعض الشخصيات في مكة  بدايات  ظهور الإسلام  ولاسيما صفة الزهد للمسلمين الأوائل وابتعادهم عن الممتلكات الدنيوية وبُعد القلب عنها. من دون أن تصل النفس البشرية إلى حد الكمال ، أو محاسن من الفقر الطوعي ،  أي ترك الترف بإرادة الانسان نفسه،فإن هذه الملاحظات ، التي حافظت دائمًا على لهجة خطابية بين المسلمين، ازدادت تدريجيًا إلى أن اختفت تمامًا بعد الهجرة.-على حد قول لامنس-بان الإسلام اصبح ذا طابع سياسي بارز بعد الهجرة الى المدينة المنورة . ويرجع ذلك الى ان التعاليم الإسلامية اعلنت في المدينة المنورة ضرورة التضحية بالممتلكات الدنيوية من أجل الحرب المقدسة–أي االحروب التي خاضها المسلمون الأوائل للجهاد في سبيل الله-.(ينظر: Lmmen:Islam. Beliefs and  Institutions, pp15).

يبدو من النص الوارد ان لامنس أراد ان يرجع جذور التصوف الى عهد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في مكة وقبل البعث لغاية الهجرة النبوية الى المدينة المنورة ، ليبتعد النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) عن الزهد شيئا حتى نزول التعاليم الإسلامية بوجوب القتال  ضد المشركين والكفار ، وهذا الامر فيه مغالطات عدة ، أولها واهمها ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم) لم يتغير زهده قبل الهجرة عن بعدها وهناك روايات كثيرة تعد من الأدلة القطعية على حياة الزهد التي عاشها الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) في مكة والمدينة ، ولعلها زادت في المدينة نتيجة دخول اعداد كثيرة الى الاسلام وذلكأثقل كاهل الرسول في توفير المؤونة اللازمة لهم، ومن الأدلة القطعية على ذلك روايةالسيد عائشة ام المؤمنين (رضي الله عنها) بقولها: ((ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض))(البخاري، 1987م، ج5، ص2371) ،  لان النبي محمد بعث من قبل الله عز وجل، وان اول ما اختص به هو الزهد لكي يتمكن من تأدية دوره على أكمل وجه، إذ ان جوهر الزهد يتمثل بعدم الخضوع للشهوات والملذات ، حتى تكون سيرتهوسلوكهأنموذجاً صادقاً للالتزام  بالمبادئ والقيم ، ومن ثم تأخذ سيرته وموعظته وارشاداته موقعها في قلوب الناس، لذلك فانه لم يتغير في زهده طيلة حياته الشريفة.

ثم يعرّج لامنس بعد ذلك على تأكيد ان الصوفية قد ولدت في سينا ​​ومصر ،حتى وصف هذه المنطقة بانها المهد والمقاعد البدائية للمذهب الواحد.  وادعى لامنس بأنالمذهب الواحد قد استعار جزءًا من مفرداته الفنية من اللغة السريانية، (ينظر:Lmmen:Islam. Beliefs and  Institutions, pp15)، ليمهد الى ان اصل الدين الإسلاميوتعاليمه هو من بقية الديانات  وليست مكملة له. استمر لامنس في ادعائه بانه لم يبق في القرن الثاني للهجرةأي أثر للتنظيم بين الزاهدين المسلمين لإنهمعاشوا في عزلة دون أي روابط أو عقيدة مشتركة. ونظرية  التصوفلم تظهر او تتبلور حتى القرن الثالث. وكان الزاهدون راضين عن العثور على طريق الكمال لأنفسهم ، وبإظهار الطريق إلى أولئك الذين أتوا للتـــشــاور معهم، الذين كانــــوا أكثر اهتمــــامًا بالأعــمال الصالحة مبتعدين عن الاقوال والفلسفة في نظريات التصوف.(ينظر:Lmmen:Islam. Beliefs and  Institutions, pp15).

وللرد على هذه الآراء لابد من الرجوع الى ما وثقه التاريخ الإسلامي عن بدايات ظهور التصوف وأول الأماكن التي ظهر فيها التصوف مدينة الكوفة كونها نواة الزهد الذي ارتبط بلفظ الصوفي والمتصوف  إذ اطلقا في بادئ الأمر لفظا مرادفاً للمسلم  العابد والزاهد والفقير ، ممن سلك طريق التقشف الشديد في عيشه ولبس الخشن من الملابس كالصوف للإشارة  بان هذين اللفظين (الزهد والتصوف) يزيدان على معنى التدين ومراعاة أحكام الشريعة (ينظر: السلمي،1998م، ص 49) ومن الشواهد على ذلك ارتباط كلمة التصوف كتسمية بشخصيتن بارزتين من أهل الكوفة وهما أبي هاشم عثمان بن شريك الكوفي الصوفي (ت 162هـ / 778م ) الذي عزف عن حياة  الترف واللهو وارتدى ثوبا ً من الصوف ، واعتكف  وحيداً في داره التي تعد أول مكان اختص بالتصوف (ينظر: ابن حجر العسقلاني،2002م،ج2، ص298)، وجابر بن حيان الكوفي (208هـ / 823م ) الذي تفرد بمذهب خاص بالزهد ومن هنا لقب بالصوفي  (ينظر: القفطي، 2005م، ص124)

ثم انتشر الى المدن المجاورة واولها البصرة ومنها الى بغداد، ثم الى البلدان المجاروة من جهة الشرق والغرب والشمال ، فقد انطلقت الصوفية من بغداد بوقت مبكر إلى أقاليم المشرق الإسلامي فبدأ بالأحواز وشيراز ومنها انتقل إلى خراسان ومرو وبلخ وقد نشط في نيسابور (ينظر: البغدادي،2002م، ج8، ص393-397)، فانتشر في بلاد فارس كونها اقرب الأقاليم وبلاد الشام ومن ثم مصر ومنه الى المغرب العربي والاندلس(الجليل، 2018م، ص62، 66)،، وبذلك لم تكن سيناء ومصر مهدا للصوفية او اول أماكن انطلاقها وانما دخلها التصوف تباعا حسب امتداد هذه الحركة في الأقاليم الإسلامية.(ينظر: ديموبين ، موريس ،  1952م، ص35 )

رابعا: اراء هنري لامنس في عقيدة الصوفية باصول الدين.

تتجسد المعتقدات الإسلامية بصورة خاصةبالايمان الجازم بربوبية الله عز وجل ، بما انزله تعالى من مبادئ عن الخلق وتكوين المخلوقات  والكون والانسان وحياته الاجتماعية فضلا عن طريقة ارتباطه بالخالق قبل الموت وبعده، وقدتناولها لامنس في كتاباته بطريقة تتلائموتتوافق مع ميوله وافكاره المتعصبة ضد الإسلام ونبيه الكريم المتمثلة بطعنوتشكيك بركائزه ومعتقداته، فضلا عن منهجه في تكرار ارائه الشاذة والاستناد عليها لدعم نظريته وتفسيراته المظللة والواهية، ومن اهمها العناصر الثلاثة الحيوية والاساسية في العقيدة الاسلامية وهي: (نبوة محمد (صلى الله عليه واله وسلم)، والوحي، والقرآن الكريم)،إذ تعد هذه الركائزالمتينة، متلازمة، والاعتقاد والايمان بإحداها يوجب الايمان بالبقية، فعن طريق الايمان بحقيقة النبي يتم الاعتقاد بالوحي المرسل من الله عز وجل لأنبيائه، كوسيط يبلغ به من تعاليم الهية في الكتب المقدسة،قد وجهت اقلام لامنس في كتاباته الاهتمام بالعقيدة الاسلامية وتاريخها ومنها عقيدة المتصوفة من وجهة نظره مع الرد عليها وفق منهج علمي وتصحيح ما ورد عنه من المعتقدات الخاطئة والمظللة ، فقد وصف لامنسالتصوفبانه احدىخرافاتالإسلام، وان  الشريعةالإسلامية ما هي الا شريعةللضمير الانساني. إنهيمثل نظاماجتماعي،ويعده نوعمنالقانونالأعلى–يقصد بالاعلى هنا أي انه من الله عز وجل-،ويقصرطموح المتصوفة والصوفية علىجمعكلالمؤمنينحولطقوسمعينة خاصة بهم مع مراعاةالمجتمعالإسلامي،والابتعاد عن التدخلفيتفاصيلحياتهمالداخلية. وهنا المقصود بذلك ابتعاد الصوفية عن الاختلاط بالناس، وان الإخلاصفي الشريعةهوطريقالكمالالروحيللانسان. ومن وجهة نظر لامنس انه مما لاشكفيهأنالمعنىالصوفيمعنى عام لا يمكنالانتماء اليه ينبني على ممميزات عنصرية للجنسأواللغةأوالأمة،. ويشير لامنس بان القران الكريم قد وردت فيه اياتعديدةهيمجردنسخوتذكاراتمنالكتابالمقدستمتغييرهافينفسالدرجةتمامًامثلأساطيرهاالنبوية. ويسير في ادعائه بان كثيرمن الاياتالقرانيةيغرسبقوةالخوفمناللهعز وجل وأحكامه،التيهيفيالأساس ترتكز عليها كل احكام الزهدالنابعة من العقل. لذلك فقد شددتالمقاطعالقرآنيةالأخرىعلىقيمةالنيةفيالحياةالأخلاقيةوالدينية.(ينظر:Lmmen:Islam. Beliefs and  Institutions, pp11).وذلك ادعاء باطل من قبل لامنس على القران الكريم، فقط خلط لامنس كلام حق أراد به باطلا فمن الناحية الأولى القران ليس نسخ وتذكار من الكتب المقدسة وانما هو كلام الخالق انزل على النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) بواسطة الوحي جبرائيل (عليه السلام) ، وقد تحدى الله عز وجل المشككين في ذلك بأن يأتوا بسورة واحدة فقط :{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوابِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ   صَادِقِينَ}(سورة البقرة: الآية23). وفي موضع آخر يبين الله عز وجل أن البشر مهما وصلواالى فهم وادراك وعلم لا يمكنهم الايقعوا بالسهو او الخطأ ، أوالنقص ، ولو كان القرآن الكريم ليس كلام الله  عز وجل لحصل فيه اختلافات عديدة او نقص  في اياتهقال تعالى :{ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا }(سورة النساء، الآية 82)، ولكنه سالم من أي نقص أو خطأ أو تعارض ، بل كله حكمة ورحمة وعدل ، ومن ظن بوجود تعارض فإنما ذلك من عقله المريض ، وفهمه الخاطئ ، ولو رجع إلى أهل العلم لبينوا له الصواب ، وكشفوا عنه الإشكال ، كما قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز .* لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِتَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت:الايتان 41-42) ، وقد تكفل الله عز وجل  بحفظ القرآن الكريم من كل الانحرافات والنقص او الزيادة وغيرها، قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ( سورة الحجر: الآية 9) .وللرد  أيضاعلى ما ذكره لامنس في رأيه عن الخلط بين حقيقة القران الكريم وبين ما ورد فيه من آيات قرانية تحفز على الزهد والورع في البدء وردت آيات عدة عن اصالة القرآن الكريم منها قوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ *نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ*}(الشعراء:الايتان 192-193).

وصف هنري لامنس معتقدات الصوفية عن طريق وصفهلأداء العبادات عند الصوفية في الايام العادية بقوله:لا يحتاج الأشخاص المكرسون لخدمة المساجد إلى أي تدريب خاص. يكفي أن يعرفوا التزاماتهم ويكونوا قادرين على الوفاء بها،على سبيل المثال ، أن يكون لديك معرفة كافية باللغة العربية، يطلق على بعض الموظفين المرؤوسين الذين يتوجب عليهم النطق من المئذنة لإعلان وقت دخول الصلوات اليومية المؤذن (المؤذن). يتم تعيين الشيوخ أو الأئمة في بعض المساجد أو الطقوس الدينية ، ويطلق على رؤساء الأخوة الصوفية اسماء الشيوخ. لا يوجد موقف يمنح حامله الحق الحصري لقيادة الصلاة ، وهو حق يتقاسمه جميع المؤمنين ديمقراطياً. هذه الإمامة يمكن أن تؤخذ بغض النظر عن المؤمن ، إذا كان مسلما جيدا وعلى دراية كافية بالطرائق العبادية. ومن ثم  يمكنأن تكون امامة الصلاة من قبل الشخص الأول الذي يأتي ويلتحق بالصف الأول في مكان صلاة الجماعة.(ينظر: Lmmen:Islam. Beliefs and  Institutions, pp53).

وللرد على هذه الاوصاف لا بد ان نبين  بأنّ هناك روابط لامام الجماعة يجب توفرها لكي يكون المسلم مؤهلا للتصدر للصلاة بالمسلمين ، وهذا الامر ليس بالبسيط ولا الهين كما صوره لنا لامنس في كلماته تلك التي سطرها من اجل تحقيق هدفه للتقليل من شروط امام الجماعة ، التي ذكر بعضا منها في عبارة : (ان يعرفوا التزامهم ويكونوا قادرين على الوفاء) يقصد بها التقوى ومخافة الله، وان يكونوا ممن عرفوا بالعدول ، ولكن هذه المواصفات جزءا من الشروط التي يجب توافرها في امام الجماعة إذ إن لامنس لم يذكر ان امام الجماعة لا بد ان يكون – فضلا عمّا ما سبق ذكره-الصلاة خلف عالم الدين أولى من غيرهمنها الاولى تقديم صاحب المسجد أولى بالتقدم لإمامة صلاة الجماعة، وإن كان هناك الأفضل منه، وتقديم صاحب الإمارة والمنزل أولى بالتقدم لإمامة الصلاة، وان كان هناك هاشميا فهو أولى من غيره إذا كان جامعا لشرائط الإمام، إن اختلفوا في تقديم الإمام، فيُقدّم الأجود قراءة، ثم الأفقه في أحكام الصلاة، ثم الأقدم هجرة، ثم الأسّن، ثم الأصبح وجهاً وفي هذه المسائل يتضح ان لا وجود للديمقراطية التي ادّعاها لامنس في امام الجماعة وانما الحرص على توفر الشروط المطلوبة في المسلم مهما كان صوفيا او غير ذلك  ليكون الشخص المناسب لهذا المنصب المهم والحساس، ولم يكن هناك يوما ما أي تهاون او تراخي في إعطاء الامامة لصلاة الجماعة بين المسلمين والحرص منهم على اعطائها لمستحقها بشرطها وشروطها   (ينظر: المحقق الحلي، 2010م، ج13، ص459).

كما هو معروف عن منهج لامنس في تضليل القارئ عن طريق تفسير الوقائع التاريخية بما يتوافق وفكرته التي يطرحها بكتاباته اتجه هذه المرة لتفسير بعضالاياتالقرانية التي تدعو الى الزهد في الدنيا منها قوله تعالى: { قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخرةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى﴾. (سورة النساء: الآية 77)،وعن ذكر الصوفية لله تعالى وارتباطهم به في رياضتهم العلمية استند لامنس الى قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا.(سورة الأحزاب: الآية 41) ، وفي معنى الولاية عند الصوفية –أي موالاة الله تعالىبالطاعات-فانه استند إلى قوله تعالى﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.(سورة يونس : الآية 62) ،كما استشد لامنس بالاحاديث النبوية الشريفةليبين كيفية التعامل مع مسألة الزهد والى أي درجة يستحسن ان تكون حدودها – لان  الإسلام يدعو الى الوسطية والاعتدال في أمور الحياة جميعها -، الا انه وكعادته في توظيف نصوص الاحدايث النبوية للوصول الى غاياته فانه يفسر تلك الاحاديث لصالح الصوفية بقوله:

أعلنت الصوفية تفضيلها على الطريق الضيق.

لقد كان رد فعل على الاتجاه لمادي و العالمي الذي ادعى الرجال تبريره من هذه الآيات ،وبمساعدة الحديث النبوي ومثال النبي وممارسته. “اتبع السنة” أي يتبع الصوفية (التقليد) تقليد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)،(ينظر: Lmmen:Islam. Beliefs and  Institutions, pp16).

ان هذه الاستشهادات التي ذكرها لامنس في الايات المباركة ما هي الا وسيلة لنشر فكرة ان الصوفية او التصوف هي حركة تتبع ما جاء في تعاليم الاياتالقرانية والسنة النبوية ، دون ذكر ان هذه الفئة من المجمتعالإسلامي لا تمثل الكل ، حتى لا تمثل طريقة النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) في الحياة التي مارس فيها العمل والعبادة معا ولم يكن يوما يفضل واحدة دون اخرى  بشهادة الاياتالقرانية التي طالما قرنت العمل بالايمانومنها عبارة (الذين امنوا وعملوا الصالحات) ، في عشرة مواضع في القرآن، (على سبيل المثال ينظر: سورة البقرة: الآية227 ، سورة يونس:الاية9، سورة هود: الآية 23 ، سورة الكهف: الاية 30 ، سورة  الكهف: الآية 107، سورة مريم: الاية96 وغيرها)، وهذا وغيرها من الاحاديث التي تشجع على العمل مع العبادة ، ولا ينفكان من اقترنهما دون غيرهما منها قول النبي محمد  (صلى الله عله واله وسلم): (( أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيالِهِ، )) (مسلم، د.ت، ج1، ص461)  ، وقوله (صلى الله عليه واله وسلم) : ((الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل اللَّه)) (الحر العاملي (ت: 1104 ه/ 1693م)، وسائل الشيعة ، ج17، ص67) وغيرها من الاحاديث التي تبين أهمية العمل مع العبادة ، وهذه هي الوسطية في الدين الإسلامي التي يدعوا اليها في تعاليمه السمحاء فلا المراد من منهج الصوفية انه منهج كل المسلمين والا لعمّت الفوضى في التعاملات اليومية ، ولا ترك التقرب الى الله تعالى بالخلوة الصالحة والمناجاة  مع الله عز وجل المأخوذة من سنة النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ومن بعده اهل بيته  الطاهرين، والصحابة المنتجبين( ينظر: ابن الجوزي، ، ج1، ص115-116)ومن تبعهم  بمنهجهم المعتدل الوسطي الذي يشجع الى التوافق بين العمل والعبادة، والصوفية انفسهم كان أغلبهم  يعملون ولا يتركون  هذا الجانب –الا انهم اقل من غيرهم في طلب استحصال الماديات مقابل عملهم- فقد اشتغل اغلبهم في هذه القرون الستة الهجرية كمعلمين في المساجد والجوامع وغيرها من الأماكن التي تعد تابعة او احدى المؤسسات التعليمية يعلمون الناس العلوم الدينية والفقه واللغة العربية والادب والشعر وغيرها، فقد انقطع الصوفية إلى عبادة الله تعالى متفرغين للمناجاة والعبادة، وفي الوقت نفسه يعملون مجتهدين لسد رمقهم بجهدهم ولم يقبلوا بالإحسان المقدم لهم من الناس، ومنهم من قبلها واكتفى بالدنيا منها (جولد تسيهر ، د.ت، ص 134 .)

   وان هذا الاعتدال في منهج النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) قد ذكره لامنس ليبين ان هناك من لا يشجع التصوف والطرق الصوفية المبالغ فيها من قبل بعض المذاهب الإسلامية  ، فقد ذكر لامنس  الحديث النبوي في قول النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم): ((أناأشرب،أناآكل،أنا أتزوج)).كل هذها لأحاديث ليست بعيدة عن

 كونهاأصيلة. تم نشر العديد من

 هم في الخارج من قبل معارضي الصوفية لتهدئة ضمير الدني او أيضًا كدليل مضاد لخصائص التقشف المبالغ فيها التيتم ادخالها على صورة الرسول (صل ىالله عليه واله وسلم).(ينظر: Lmmen:Islam. Beliefs and  Institutions, pp16).

لم يذكر لامنس الرواية كاملة عندما تحدث بعض المؤمنين عن الزهد في ملذات الحياة المحللة للإنسان كالاكل والراحة، والزواج وغيره  والتي جاءت كالاتي: ((فقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أنام على فراش فحمد الله وأثنى عليه فقال ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)) (مسلم ، د.ت، ج2، ص1020) وهذه لا تمثل صورة لنبي يوصى جماعته بالتقشف، ولم يكن زهد النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم ) يوما مبالغا فيه ابدا وانما كان بمقتضى الظروف التي تواجهه (صلى الله عليه واله وسلم) ليكون لنا منارا وعلما نقتدي به في مثل هذه الظروف ولاسيما الذي يتصدر لقيادة الامة الإسلامية، ويكون ذا منصب مسؤول عن الرعية والمسؤولية تقتضي ان يشارك الناس باحوالهم المعاشية. وهدف لامنس من ذلك ان يجعل النبي محمد انسانا لا يتناسب مع ما وصفته المصادر التاريخية لسيرته العطرة في الزهد والتواضع والورع قال تعالى :{هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}(سورة الجمعة: الآية2).

 

خامسا: اراء هنري لامنس بعلاقة الصوفية بالنصرانية.

حاول لامنس بكل جهده في النصوص الواردة في كتاباته إيجاد علاقة تربط الدين الإسلامي بالنصرانية، أولها قوله بان النبي محمد قد اخذ النصوص القرانية من الكتب المقدسة السابقة، والاخرى علاقة الصوفية بالنصرانية عن طريق ابجاد قواسم مشتركة بينهما كالتشابه في طريقة العبادة والخلوة بالمناجاة لله تعالى، والابتعاد عن ملذات الحياة حتى المباحة منها، كالنص الوارد من قبل لامنس عن تأثر الصوفية بالنصرانية بقوله : ((التأثير المسيحي في القرآن: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (سورة المائدة : الآية 82)، يمجد القران تواضع الرهبان ويشيد بالرهبانية  في القران بقوله : {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً} (57سورة الحديد: الآية 27) الرهبانية، وسيلة للحياة التي ابدتعوها من تلقاء أنفسهم حتى يتمكنوا من الفوز لصالح الله”. هذا تلميح محجّب لمسار تعاليم الإنجيل ولا يوجد صدى آخر في القرآن. يشيد السور بممارسة الصلاة وحتى الصلاة الليلية، ولا شك في تقليد المكاتب الليلية المستخدمة في المسيحية والأديرة.)) (ينظر: Lmmen:Islam. Beliefs and  Institutions, pp14).

ولم يرجع لامنس هذا التشابه للواقع الملموس للموحدين منذ الازل في كون الخالق واحد لذلك تكون هناك أوجه للتشابه في طريقة المناجاة، وعلى مر العصور ، ولم يكمل الاية المباركة  في قوله تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } (57سورة الحديد: الآية 27) لان في تكملتها ذم للرهبانية التي ابتدعها النصارى والتي بالغوا فيها ليصلوا الى أهدافهم وليجعلوها غطاء لطمعهم وجشعهم وتحريفهم للانجيلوالتوارة من قبله.

 وفي نص آخر ورد في كتابات لامنس  أكّد وجود تأثر الصوفية بالنصرانية  قال فيه :((للمسيحية تأثير لا يرقى إليه الشك في بد ايات الصوفية، التي لاتدعي شيئًا أقل من إدخال الإسلام في طريق الاستشارة.  يمكن تقسيمها باسم “رهيب” ،الراهب،الذي يُعطى للمسلمين الأوائل، وأيضًا في ميل بعضهم إلى اعتناق السير على خطى المسيح وحتى وضعها في صورته المزدوجة.)) (ينظر: Lmmen:Islam. Beliefs and  Institutions, pp15).

ان هذا الامر الذي ركز عليه لامنس في كتاباته ما هو الا دليل واضح على ميوله لتهميش الشريعة الإسلامية لكي يجعلها تابعة للنصرانية ونابعة من تعاليمه ، وهذا ما دأب عليه لامنس في كتاباته جميعها وهو اعتراف صريح منه بان يعطي للدين الإسلامي مكانة اقل بكثير من مكانته بين الديانات السماوية الأخرى، وان هناكدوما اتفاق بوجود الإله الخالق ومن ناحية أخرى اتفاق بأن للإنسان نشأة أولى، وعبادات فيها الخشوع والخضوع لهذه القوة العليا والرجوع اليها، عن طريق الزهد والتصوف  وتربية الملكات الروحية لدى الانسان، وعن طريق شعائر  أخرى عملية كشعائر الحج  لبيته الحرام وقصد اماكن معينة للعبادة عندما توفر فيها الظروف المناسبة كالخلوة والطهارة وغيرها، (ينظر: رشيد، 2022م، ص176)

كذلك ورد عن لامنس نص آخر حاول فيه مرة أخرى ربط الصوفية والتصوف بالنصرانية قي قوله ان الصوفية تمجد حب الله،حب عاطفي وعطاء، لا تمليه مجرد الامتنان والرغبة في إرضاء الصالح الأعلى، كما كان يتخيلها لغزالي، الذي كاني هيمن عليه المضاربات حتى في تدفقات تصوفه. “العلماء من جانبهم يعترفون فقط بحب الخضوع،” الاستقالة “،للأوامر الإلهية، إذ لا يحتفظ الخادم” العبد “بأي شيء سوى ىالشعور بضعفه. في هذا المفهوم ،الذي يستبعد بقوة  فكرة الابن، يسعى الصوفيون إلى استبدال ما يعادل الإنجيل أو الإنجيل. كان مقدرهم الجديد للحياة الروحية هو جعل التبشير في العالم الإسلامي. لقد احتل بعض الأوساط اللاهوتية التي كانت تندب على الدهاء والشكليات التي يميل إليها الإسلام الرسمي أكثر فأكثر. (ينظر: Lmmen:Islam. Beliefs and  Institutions, pp17).

ثم أضاف لامنس بعد ذلك بان الصوفية الإسلامية ما هي الا صورة للأرثوذكسية التي تهدف إلى إعادة الحيوية بروح دين تمارسه الإخلاص والانفصال عن العالم. (ينظر: Lmmen:Islam. Beliefs and  Institutions, p122).

وللرد على هذه البدعة يرجع الى القران الكريم وتذكر بعضمن آياته المباركة فيما ورد فيه عن الرهبان من وجهة نظر الدين الإسلامي الحنيف في قوله تعالى:{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }( سورة التوبة: الآية 31) ، وهذا نص صريح في نبذ ما جاء به الرهبان ورجال الدين النصارى من تعاليم لم ينزل الله تعالى بها ولم يقرها الإسلام ولا يشجع عليها وانما يحذر من اتباعها بكل شكل من الاشكال وان الهدف الحقيقي من اتخاذ الرهبان مسألة الزهد هي الوصول الى غاياتهم الدنيوية، قال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) }  (سورة التوبية: الايتان 34-35) ، ولا بد من بيان غايات المستشرقين على وجه الخصوص والرهبان على وجه العموم من نشر مثل هذه الأفكار والمعتقدات بين فئات المجتمع وهي السيطرة على مقدرات الانسان في كل بقاع العالم، وابعاد الناس قدر المستطاع عنالتعرف على الدين الاسلامي الصحيح بتعاليمه السمحاء وشريعته الغراء ، فقد قال الله تعالى عنهم: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)} (سورة التوبة: الايتان 32-33)

 

سادسا: اهم علماء الصوفية في كتابات هنري لامنس:

ذكر لامنس في كتاباته بعضا  من الشخصيات البارزة في الحركة الصوفية التي اخذت مكانتها بين فئات المسلمين كافة شرقا وغربا ، ومن هذه الشخصيات التي ظهرت في القرن الثاني هي: حسن البصري (ت: 110ه/ 728م)،  وإبراهيم بن أدهم (ت: 166ه/ 777م) ، وقد ادعى انهما عملا على تقريب المسافة بين الإسلام والنصرانية عن طريق تصوفهما وعبادتهما وزهدهما. ولقد سعيا  إلىالاقتراب من الألوهية تقريبًا بوسائل أخرى. بحجة ان منهجهما في ذلك كان من اجل طموحهما إلى تجربة شخصية وأكثر تركيزا للحقائق الدينية التي من شأنها المساعدة علىالصعود التدريجي للروح إلى الله.(ينظر: Lmmen:Islam. Beliefs and  Institutions, pp14).

اما الحسن البصري فانه الحسن ابن أبي الحسن البصري الأنصاري ويكنى بأبي سعيد ونعت بالبصري لأنه عاش بمدينة البصرة وتوفي بها وهكذا كان للبيئة التي تربى فيها الحسن البصري والمجال الذي احتضن طفولته وشبابه الأثر الكبير في تربيته وسلوكه مسلك الزهاد والعلماءوقد ارتقى الحسن البصري بعبادته إلى درجة الزهد الإيجابي، إذ عد من كبار الزهاد ونموذجا للزهد في عهده الأول قبل أن تدخل عليه مظاهر خادعة ونسك عجمي، وقبل أن يصبح أسلوب معيشة. وهكذا كان الحسن زاهدا بالمعنى الدقيق لكلمة الزهد (ينظر: ابن الجوزي، 2000م، ج2، ص137) ، اما  إبراهيم بن ادهم لم يختلف عن سيرة الحسن البصري من ناحية  الزهد او الاجتهاد في نشر الفقه والعلم ، فقد كان من أبناء الملوك وترك كل ما يملك ليتخذ طريق الزهد والورع منهجا في حياته حتى صار مدرسة يقتدى به (ينظر: ابن الجوزي، 2000م، ج2، ص334).

وقد ذكر لامنس كذلك المتصوفة من القرن الخامس الهجري  واشهرهم الغزالي (ت:505ه/ 1111م)، وادعى لامنس بأن تأثيرالغزاليالأكثروضوحًاوخلقًالاتجاه الصوفية وطرقهاوقد قال لامنس عنه ان مكانة الغزالي قد ساعدتهبقوة للحصول على استحسان الإجماع بسبب المبادئ التي نشأت عن التصوف، والتي تدهورت ممارستها سريعًا في الأخوة الصوفية. اللاهوتي الفقي هو الفيلسوف،الغزالي بعد اجتياز جميع تجار بالحياة الزهدية، سعىلموا جهة مشكلة التصوف بكل سهولة في مواجهته الإسلامية. أطروحته وهي محاولة مخلصة للتوفيق بين الشريعة والصوفية، تقدم الصلات التي لايمكن إنكارها مع نظريات الزهد المسيحي. هذه الخصائص تشكل أصالته االتي لاجدال فيها. مثلا لزاهد المسيحي،يفترض الغزالي وجود المسارات الثلاثة: التسهيل والإضاءة والوحدة. ممارسة الأول تمكن الروح. (ينظر: Lmmen:Islam. Beliefs and  Institutions, pp17).

وعند الرجوع الى حياة أبو الحامد الغزالي نجده قد عكف على الدراسة والقراءة في مصنفاتوكتب الصوفية، حتى اصبح مقصداً لتلاميذة الصوفية في عصره ولا سيما في نيسابور، ولم يمثل يوما الاتجاة النصراني ، وخير دليل على ذلك المؤلفات التي تركها والتي تعد من اهم الاثار التاريخية في مختلف الغلومولاسيما في الفقه والفلسفة والاقتصاد وغيرها، وعلى العكس فان أبا حامد الغزالي قد ناقش مسألة الربوبية التي يدعيها النصارى للسيد المسيح عيسى ابن مريم (عليهما السلام )  وعقائد النصارى في كتابه (الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل)، ليثبت في هذا الكتاب ما جاء به الإسلام بان النبي عيسى (عليه السلام) نبي من عند الله بُشر برسالة محمد (صلى الله عليه والهوسلم). (ينظر: الغزالي، 1990م، ص23-25).

 

النتائج والتوصيات:

النتائج:

-نستنتج مما سبق ذكره ان اغلب المستشرقين كانوا يرمون الى تحقيق أهدافهم التبشيرية ونشر الدين النصراني في فئات المجتمع الإسلامي باستخدام أساليب عدة وطرق مختلفة منها الكتابة والتاليف في مجال التاريخ الاسلامي ومن هؤلاء الذين بذلوا جهدهم طيلة حياتهم الاب هنري لامنس الذي كرس حياته من اجل تحقيق أهدافه حتى طغى على كتاباته التعصب والتطرف للدين النصراني من دون أي دليل عقلي او علمي.

– أوضحت الدارسة اساليب لامنسفي تفسيره للنصوص الواردة في القران الكيم او الاحاديث النبوية بما يتوافق وأهدافه ، إذ انه يضع الفكرة المراد ترسيخها لدى القارئ ويجمع لها ما يناسبها ظاهرا من النصوص التاريخية التي تبين للغافل والجاهل ان ارائه صحيحة دون شك.

– اتضح مما سبق ذكره ان التصوف حركة دينية إسلامية  تدعو الى الزهد والورع عن الاسراف في الترف بالملذات الدنيوية حتى الحلال منها ،  لها ايجابياتها وسلبياتها  وطرقها وعلمائها وشعائرها العبادية ، ومشايخها وطرقهم المتعددة للتقرب الى الله عز وجل ،  الا انها لم تكن يوما تابعة ولا نابعة من الدين النصراني، وانما هناك أوجه تشابه في بعض الشعائر المتبعة بين الصوفية والرهبان النصارى بسبب وحدانية الخالق المعبود الله عز وجل، وان طريقة الخلوة والتقرب الى الله تعالى لا بد من ان يكون هناك تشابه ظاهري فقط لا غير.

 

  • لابد من الحذر من كتابات المستشرقين مهما كانوا ظاهرا منصفين ، والتحقق من كتاباتهم بالرجوع الى المصادر التاريخية واولها وعلى رأسها القران الكريم كلام الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو كلام الحق المتعال.
  • البحث عن اهداف المستشرقين في كتاباتهم للتاريخ الإسلامي والفكر الإسلامي ومذاهبه حركاته الدينية، إذ لا بد من كل كاتب له غاية معينة يريد الوصول اليها عن طريق مؤلفاته ، او طرح اراء معينة في موضوع ما، ومن هؤلاء هنري لامنس الذي اعتمدت جامعة القديسيوسف في بيروت على كتاباته ومحاضراته في تدريس علم التاريخ والحضارة الاسمية والاثار،رغم ما عرف عنه من تعصبه للنصرانية وكرهه للدين الإسلامي.

 

قائمة المصادر والمراجع :

قائمة المصادر:

  • البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله (ت: 256هـ/ 870م)، الجامع الصحيح صحيح البخاري، حسب ترقيم فتح الباري، ( دار الشعب ، القاهرة، 1407 ه/ 1987م).
  • البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (ت: 463هـ/ 1071م)، تاريخ بغداد، تحقيق: بشار عواد معروف، ( دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1422هـ / 2002 م).
  • ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت: 597هـ/ 1201م)، صفة الصفوة ، تحقيق: أحمد بن علي، ( دار الحديث، القاهرة، مصر ، : 1421هـ/2000م).
  • ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت: 852هـ/ 1448م) ، لسان الميزان، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ( دار البشائر الإسلامية، 1423ه/ 2002 م).
  • الحلي، جعفر بن الحسن( 675هـ/1277م)، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، ط2(دار العلوم، بيروت-لبنان، 1431 ه/2010م)ـ.
  • الحر العاملي، محمد بن الحسن الحر العاملي (ت: 1104 ه/ 1693م)، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة،  تحقيق: مؤسسة آل البيت عليه السلام لإحياء التراث ، ط2 (  لمؤسسة آل البيت – عليهم السلام – لإحياء التراث 1414ه/ 1994م)
  • ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي (ت: 808ه/ 1406م)، مقدمة ابن خلدون، ( دار القلم ، بيروت، 1404ه / 1984م).
  • زروق، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى (ت: 899هـ/ 1494م) ، عدة المريد الصادق ، تحقيق: الصادق بن عبد الرحمن الغرياني ، ( دار ابن حزم، ، 1427 هـ / 2006 م).
  • الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، (ت: 538هـ/ 1144م)، أساس البلاغة ، تحقيق: محمد باسل عيون السود ، ( دار الكتب العلمية، بيروت ، لبنان ، الطبعة: الأولى، 1419 هـ / 1998 م ).
  • السلمي،أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد (ت: 412هـ/ 1012م)، طبقات الصوفية، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ( دار الكتب العلمية ، بيروت، 1419هـ/ 1998م).
  • الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد (ت: 505ه/ 1111م) ،(الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل)، تحقيق وتعليق: محمد عبد الله الشرقاوي، (دار الجليل ، بيروت، 1410ه/ 1990م)
  • ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، (ت: 395هـ/ 1005م)، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون ، (دار الفكر ، بيروت، 1399هـ / 1979م).
  • فريد الدين العطّار النيسابوري، أبو حامد محمد بن أبي بكر إبراهيم بن مصطفى (672ه/ 1229م)،تذكرة الأولياء، تحقيق: منال اليمني عبد العزيز ، (الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1427ه/ 2006م)
  • القفطي، جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف (ت: 646هـ/ 1248م)، أخبار العلماء بأخيار الحكماء، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، (دار الكتب العلمية، بيروت ، 1426 هـ / 2005 م)
  • الكلاباذي،ابي بكر محمد بن اسحـاق (ت380هـ/990م)، التعــرف على مـذهب اهــل التصـوف، (دار الكتب العـلمـية، بيروت، 1428ه / 2007م) .
  • مسلم، الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري (261ه/ 875م) ،الجامع الصحيح المسمى صحيح مسلم ( دار الجيل بيروت ، د. ت)
  • أبو منصور،  محمد بن أحمد الأزهري  (ت: 370هـ / 789م) ، تهذيب اللغة ، تحقيق محمد عوض مرعب، (دار إحياء التراث العربي ، بيروت، 1423ه/ 2001م).

المراجع الحديثة:

  • إبراهيم مصطفى واخرون ، المعجم الوسيط ، تحقيق مجمع اللغة العربية ، (دار الدعوة ، د.ت).
  • بدوي، عبد الرحمن، موسوعة المستشرقين، ط3، (بيروت، دار العلم للملايين،1414هـ/ 1993م).
  • الجليل، جاسم الطيف جاسم، دراسات في الفكر الاندلسي، دار الوان للمطبوعات بغداد، 14440ه/ 2018م)
  • الجليل، جاسم الطيف جاسم، دراسات في تاريخ المغرب والاندلس، (دار الوان للمطبوعات بغداد، 14440ه/ 2018م).
  • الجنيدي، تحفة الزمن بترتيب تراجم اعلام الادب والفن، ط1، (دار المقتبس، بيروت، 1436ه/ 2015م)،
  • الجندي، احمد أنور سيد احمد، تاريخ الغزو الفكري والتعريب خلال مرحلة ما بين الحربين العالميتين 1920/ 1940، (دار الاعتصام،القاهرة، د.ت)
  • جولد تسيهر ، اجناس ، العقيدة والشريعة في الإسلام ، ترجمة: محمد يوسف موسى وعلي حسن عبد القادر وعبد العزيز عبد الحق ، دار الكاتب المصري ، مصر ، د.ن ، د .ت) .
  • حلاق، حسان، المعالم التاريخية والأثرية والسياحية في العالم العربي، (بيروت، دار النهضة ، 1430هــ/ 2009م).
  • ديموبين، موريس، النظم الإسلامية، ترجمة: صالح الشماع وفيصل السامر، مطبعة الزهراء،(بغداد ،1372ه/1952م).
  • رينهارت بيتر آن دُوزِي، تكملة المعاجم العربية، نقله إلى العربية وعلق عليه:محمَّد سَليم النعَيمي، ط1، (وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية، من 1979ه/2000م).
  • الصليبي، كمال، بيت بمنازل كثيرة (الكيان اللبناني بين التطور والواقع) ، ترجمة: عفيف الرزاز، ط6، ( مطبعة نوفل، بيروت، لبنان، 2013م).
  • العقيقي، نجيب، المستشرقون، ، ط3، (دار المعارف، القاهرة، 1384هــــ / 1964م)،
  • لامنس، هنريكوس، فرائد اللغة في الفروق، (المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1889م)؛ الشحود، علي نايف، موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة، (د.م،د.م، د. ت ).
  • مراد، معجم اسماء المستشرقين، ، (دار الكتاب العلمية، بيروت، 1435ه/ 2004م).
  • منصور، احمد صبحي، العقائد الدينية في مصر المملوكية بين الإسلام والتصوف، (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ، 1422ه/ 2000م).
  • يوهان، فوك، تاريخ حركة الاستشراق، نقله عن الالمانية: عمر لطفي العالم، ط2، ( دار المدار الاسلامي، بيروت، 1422هــــ / 2001م).

الرسائل والاطاريح:

  • رشيد ، امل حمودي ، السيرة النبوية للاستشراق البلجيكي هنري لامنس انموذجا ، أطروحة دكتوراه غير منشورة، (جامعة سامراء، كلية التربية، لسنة 2022م) .

المجلات والدوريات:

  • توتل، فردينال، الاب هنري لامنس ، مجلة المشرق، العدد 19، السنة35، نسيان- حزيران، بيروت، 1937م.
  • المراجع الأجنبية:
  • Lmmens, Henri: Beliefs and  Institutions, (Roma, 1911),

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *