أ.د. كريم سيد كنبار

كلية الهادي الجامعة – قسم القانون

drkarim@huc.edu.iq

009647716687318

الملخص

على الرغم من الاهتمام الواسع الذي حظيت به دولة الرفاه على الصعيدين النظري والعملي الا ان هناك قلة من الدراسات التي حاولت الربط بين قدرة الدولة على بناء مجتمع الرفاه وبين البيئة الاقليمية للدولة (التحديات الامنية الاقليمية، التحديات الاقتصادية، التحديات البيئية، التحديات الثقافية).

ولهذا يهتم هذا البحث بدراسة طبيعة علاقة التأثير والـتأثر بين سعي الدولة الى تحقيق هدف الرفاه وطبيعة الاوضاع الاقليمية السائدة عبر تبني فرضية مفادها ان هذا المسعى لا يمكن ان يتحقق الا إذا سادت انماط من العلاقات الاقليمية التعاونية على الصعد الامنية والاقتصادية والبيئية.

وللتحقق من ذلك اعتمد البحث على طروحات المنهج الوصفي التحليلي في تناول الظاهرة موضوع البحث الذي قسم بالإضافة الى المقدمة والخاتمة الى مبحثين:

المبحث الاول: يهتم بالجانب النظري بالتركيز على مفهوم دولة الرفاه من خلال تحديد الدلالة اللغوية والاصطلاحية لمفهوم الرفاه وبيان بعض المفاهيم المرتبطة به مثل مفهوم الرعاية، التنمية، في المطلب الاول وفي المطلب الثاني نتناول مفهوم دولة الرفاه.

ويتناول المبحث الثاني العلاقة بين دولة الرفاه والبيئة الاقليمية من خلال دراسة الاوضاع الامنية الاقليمية في المطلب الاول والبحث في التحديات الاقتصادية في المطلب الثاني ويعالج المطلب الثالث التحديات البيئية التي تواجه دولة الرفاه اما المطلب الرابع فيتناول التحديات الثقافية.

الكلمات المفتاحية: الرفاه، دولة الرفاه، البيئة الاقليمية، البيئة الامنية، التحديات الاقتصادية

Welfare state and regional environment

(Study in the Arab environment)

Prof .Dr. Kareem Saied Kenbar

Al-Hadi University College – Department of Law

 

Abstract

Despite the wide attention that the welfare state has received at the theoretical and practical levels, there are few studies that have tried to link the state’s ability to build a welfare society with the regional environment of the state (regional security challenges, economic challenges, and environmental  challenges.

Therefore, this research is interested in studying the nature of the relationship of influence and influence between the state’s pursuit of the

goal of well-being and the nature of the prevailing regional situations by adopting the hypothesis that this endeavor can only be achieved if patterns of cooperative regional relations prevail at the security, economic and environmental levels.

To verify this, the research relied on the theses of the descriptive analytical method in dealing with the phenomenon the subject of the research, which in addition to the introduction and conclusion was divided into two researchers:

The first research: it is concerned with the theoretical aspect by focusing on the concept of welfare state by determining the linguistic and terminological significance of the concept of welfare and indicating some of the concepts associated with it, such as the concept of care, development, in the first requirement and in the second requirement we deal with the concept of welfare state.

The second section deals with the relationship between the welfare state and the regional environment by studying the regional security situation in the first requirement and researching economic cooperative relations in the second requirement and the third requirement addresses the environmental challenges facing the welfare state.

Keywords: welfare, welfare state, regional environment, security environment, economic Challenge

 

المقدمة

لعل في مقدمة الادوار التي تضطلع بها الدولة هو العمل حل على مشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسعي لتحقيق ما يعرف بدولة الرفاه او مجتمع الرفاه بالمعنى الشامل للرفاه والذي لم يعد هدفا ثانويا بقدر ما صار حاجة ملحة املتها المسؤولية القانونية والسياسية التي تقع على عاتق كل دولة بغض النظر عن اختلاف نظمها وفلسفتها السياسية.

مع ذلك فان بناء هذه الدولة المنشودة لا يتعلق فقط بقدرات الدولة على الصعيد الداخلي وانما يرتبط ايضا بطبيعة العلاقات السائدة في البيئة الاقليمية للدولة حيث يتناسب تحقيق الرفاه او التنمية طرديا مع سيادة العلاقات السلمية والتعاونية بين دول الاقليم وبعكسه فان سيادة العلاقات الاقليمية الصراعية تنعكس سلبا على مسعى الدولة هذا.

هدف الدراسة:

الهدف الاساس لهذا البحث هو دراسة الارتباط الحاصل بين قدرة الدولة على تحقيق مجتمع الرفاه وطبيعة التحديات التي ترتبط بمحيطها الاقليمي.

اشكالية الدراسة:

تتمثل اشكالية الدراسة بسؤال جوهري مفاده هل هناك علاقة بين قدرة الدولة على تحقيق مجتمع الرفاه وبين الاوضاع السائدة في محيطها الاقليمي وإذا كان الجواب بنعم ماهي أوجه ذلك التأثير.

فرضية الدراسة:

تفترض الدراسة ان بناء دولة الرفاه لا يمكن تحقيقه الا في اجواء من العلاقات الاقليمية السلمية التي من شأنها تعزيز علاقات الامن والتعاون بين دول الاقليم ذلك ان هناك علاقة ارتباط وتأثير وتأثر بين سعي الدولة لتحقيق مجتمع الرفاهية وبين الاوضاع السائدة في بيئتها الاقليمية سواء بالسلب او بالإيجاب.

منهج الدراسة:

يعتمد البحث على طروحات المنهج الوصفي التحليلي في تحليل طبيعة العلاقة القائمة بين سعي الدولة لتحقيق هدف الرفاهية وبين الفرص والكوابح التي تعج بها البيئة الاقليمية والتي قد تدعم سعي الدولة هذا او قد تحد منه.

إطار الدراسة:

يقسم هذا البحث بالإضافة الى المقدمة والخاتمة الى مبحثين:

المبحث الاول: يبحث في الجانب النظري بالتركيز على مفهوم دولة الرفاه من خلال تحديد الدلالة اللغوية والاصطلاحية لمفهوم الرفاه وبيان بعض المفاهيم المرتبطة به مثل مفهوم الرعاية، التنمية، في المطلب الاول وفي المطلب الثاني نتناول مفهوم دولة الرفاه.

ويتناول المبحث الثاني دراسة العلاقة بين دولة الرفاه والبيئة الاقليمية من خلال دراسة التحديات الامنية الاقليمية في المطلب الاول والبحث في التحديات الاقتصادية في المطلب الثاني ويعالج المطلب الثالث التحديات البيئية ويتعلق المطلب الرابع بالتحديات الثقافية وتأثيرها على دولة الرفاه.

 

المبحث الاول

الإطار النظري لمفهوم دولة الرفاه

لغرض التعرف على مفهوم دولة الرفاه وبيان مضامينه الاجتماعية والاقتصادية لابد اولا من تحديد المقصود بالرفاه من الناحية اللغوية والاصطلاحية.

المطلب الاول: الدلالة اللغوية والاصطلاحية:

تتفق القواميس اللغوية على ان مفردة رفاه تشير الى رغد العيش ورخاؤه وسعة الرزق والخصب والنعم مصدرها رفه(الرازي106،2002،)

وعلى الرغم من وضوح دلالتها اللغوية الا أن الامر ليس كذلك على مستوى الدلالة الاصطلاحية فتارة يضيق المعنى ليشير الى الرعاية الاجتماعية لفرد او لشريحة اجتماعية محددة (العيسوي،132،2006)، وأحيانا يشير الى منفعة الفرد او تفضيلاته بالنسبة الى الاحتياجات الضرورية اللازمة للحياة (Hamlin,2008,p2) بمعنى ان الرفاهية هنا تعني “مقدار المنفعة والسعادة التي تساعد الافراد على الشعور بالرضا والاكتفاء من استهلاك مجموعة من السلع والخدمات والتي تؤدي الى اشباع رغباتهم المتعددة والمتزايدة”(حسين،2011،11).

وبالمقابل يتوسع معنى الرفاه عند البعض الاخر ليعني رفاهية المجتمع والذي يمكن من خلاله تحقيق رفاهية كل افراده (ببريك،10،2020)

وعمليا فإن مفهوم الرفاه هو حالة تتعلق بمعيشة الفرد والمجتمع في نفس الوقت “وتسعى الى اشباع الحاجات الحياتية للإنسان سواء على الصعيد الشخصي (أي الحاجات الشخصية) او على

الصعيد الاجتماعي (أي الحاجات الاجتماعية) مثل الخدمات التعليمية والصحية والامنية وغيرها وبما يحقق مستوى متطور من الحياة الاجتماعية التي تصون كرامة الانسان وتحترم حقوقه

وتلبي طلباته في الحياة الحرة الكريمة(الزبيدي،2013).

المطلب الثاني: أبعاد مفهوم الرفاه:

أولا: البعد السياسي: 

لا يمكن فصل مفهوم الرفاه عن ابعاده السياسية فهذا المفهوم منذ ظهوره ارتبط بغايات واهداف سياسية حيث ترافق مع انبثاق وتطور النظام الرأسمالي الذي شهد انقساما اجتماعيا حادا بين قلة

غنية مالكة لوسائل الانتاج واغلبية فقيرة من العمال والفلاحين وهو ما افرز صراعا طبقيا حادا

بازدياد معاناة الطبقة العاملة ونمو حركة الاحتجاجات الطبقية التي قادتها تلك الطبقة الناشئة حديثا (Mcleod,1999).

وضمن هذا الإطار شكل الرفاه هدف مشترك لطبقتين متناقضتين الاولى الطبقة الرأسمالية التي حاولت من خلاله الحفاظ على اسس النظام الرأسمالي عبر اتخاذ مجموعة من الاجراءات الاصلاحية التي تستجيب لمطالب الطبقة العاملة ودون المساس بالبنية الاساسية للنظام الرأسمالي والثانية هي الطبقة العاملة التي وجدت في مطلب الرفاه اداة لتحسين شروط عملها والتخفيف من معاناتها ونيلها لبعض حقوقها الاقتصادية والاجتماعية وهو الامر الذي تصاعد مع ظهور وتطور التنظيمات النقابية واتساع الحركة المطلبية لهذه الطبقة Daly, & Lewis,2018)).

ثانيا: البعد الاجتماعي:

تتمثل الابعاد الاجتماعية لمفهوم الرفاه بمجموعة من الاستجابات للمشكلات والأوضاع الاجتماعية السائدة حيث ترتبط الرفاهية بالغايات والأداء المجتمعيين ولا سيما من حيث التدابير التي تقوم بها الدولة من اجل معالجة الظواهر والمشاكل الاجتماعية مثل الفقر والبطالة والتفاوت

الاجتماعي وتقديم الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية (Garland,2016).

ويستند سعي دولة الرفاهية الى تقديم تلك الخدمات والضمانات لمستحقيها على أساس حق الانسان والمجتمع عموما بالحياة الكريمة والتخفيف من أعباء الحياة اليومية (حسام،2020).

ثالثا: البعد الاقتصادي:

لا يمكن فصل مفهوم الرفاه من ناحية الظهور والتطور التاريخي عن المسعى الانساني الهادف الى اشباع الحاجات المادية والمعنوية للفرد وللجماعة من خلال تحقيق الاستثمار الامثل للموارد والتوزيع العادل للثروات وتقليص الفجوة بين الاغنياء والفقراء.

ولتحقيق هذه الاهداف يلاحظ ازدياد الدور التدخلي للدولة في الحياة الاقتصادية بهدف معالجة الازمات الاقتصادية وهو الامر الذي شمل ايضا الدول الرأـسمالية التي تتميز عادة بمحدودية هذا التدخل.

ويرى الاقتصادي الامريكي روبرت موسكريف ان تدخل الدولة في المجال الاقتصادي ينطوي على وظيفتين اساسيتين الاولى هي وظيفة تخصيص الموارد واستعمال هذه الموارد على النحو الامثل والثانية هي اعادة توزيع الدخل لإيجاد نوع من العدالة بين المواطنين (حسام،2020).

واقتصاديا يمكن النظر الى الرفاه من زاويتين مختلفتين الاولى تحاول تضييق المفهوم ليقتصر على المساعدات الاجتماعية والرعاية الصحية والتعليم والثانية تتوسع فيه ليشمل مجمل السياسات

الاقتصادية والاجتماعية وبما يكفل تحقيق المساواة والحماية من المخاطر الاجتماعية (Sandmo,1995).

وفي هذا البحث سيتم النظر الى الرفاه بالمنظار الاوسع الذي يجعله يقترب من مفهوم التنمية المجتمعية والتي توظف كافة الموارد المتاحة لتحقيق التنمية الشاملة التي من شأنها ليس فقط معالجة قضايا التشغيل والرعاية الاجتماعية والصحية على الرغم من أهمية ذلك، وانما احداث تطور نوعي في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية ولجميع افراد المجتمع.

المطلب الثاني: مفهوم دولة الرفاه:

يرتبط مفهوم دولة الرفاه بالدور الوظيفي للدولة عموما حيث يكون في مقدمة مهامها العمل على تحقيق التنمية الشاملة والاستثمار الامثل للموارد واشباع الحاجات المجتمعية وتعزيز الشعور بالانتماء وادامة السلم المجتمعي واشاعة اجواء الثقة المتبادلة سواء بين الافراد أنفسهم او بينهم وبين النظام السياسي.

ونتيجة لهذه الاعتبارات توسع مفهوم دولة الرفاه ليستجيب لمجمل التطلعات الانسانية في اقامة مجتمع التنمية والعدالة وصولا لتحقيق اقصى درجة من السعادة والرخاء بدلا من اقتصاره على جانب واحد من مهام الحماية الامنية او الاضطلاع بوظيفة الرعاية الاجتماعية.

ولعل هذا التحول الجوهري في دور الدولة هو الذي دفع خبراء التنمية المستدامة الى تبني مؤشرات عملية لمعرفة مدى شعور الافراد بالسعادة والرضا عن اوضاعهم ومعيشتهم واعتماد الدراسات الميدانية الاستطلاعية الكفيلة بالتحقق من هذا الامر على صعيد كل دولة (Helliwell,F et al,2022) ولا يفترض في دولة الرفاه الاجتماعي ان تتبنى النظام الاشتراكي لتحقيق هدف الرفاه لمجتمعها بل ان الواقع اثبت ان دول شمال أوربا مثلا والتي تتربع على قمة الهرم الدولي لمدة عشر سنوات متتالية (Helliwell)  في مجال شعور مواطنيها بالسعادة لا تتبنى الفلسفة الاشتراكية ولا تتدخل بشكل مطلق في العملية الاقتصادية وفقا لشروطها الماركسية.

لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي بل ينصب تدخلها لتحقيق الرفاهية العامة الاقتصادية والاجتماعية من خلال التركيز على التنمية البشرية

والاقتصادية للوصول الى الاستدامة في التنمية خاصة وأن رأس المال البشري هو العامل الأساس لتحقيق التنمية المستدامة، القائمة على أساس العدالة الاجتماعية ليست للجيل الحالي فقط   إنما للأجيال المستقبلية أيضا(نعمة،2022) ويقوم هذا التدخل على أساس الشفافية والمسائلة وعدم تعارض المصالح كما ان نجاح الدولة في تحقيق هذ التدخل يتطلب تداول سلمي للسلطة قائم على أساس ترسيخ مفهوم دولة القانون واستقلال القضاء والرفاهية الشعبية   (نعمة،2022).

أضف الى ذلك ان الدول التي احرزت مواقع متقدمة في سياسات الرفاه والتنمية سواء في الدول الإسكندنافية (فلندا، السويد، الدنمارك، النرويج) او في اسيا (سنغافورة، كوريا الجنوبية) او في امريكا الشمالية (كندا، الولايات المتحدة) وان كانت تنتمي الى فلسفة النظام الرأسمالي في الحكم الا انها تتبنى سياسات اجتماعية واقتصادية متباينة ولهذا فإنها قدمت نماذج متباينة لدولة الرفاه

وليس نموذجا واحدا(Klimczuk,2017 )

وعموما يمكن التمييز بين ثلاث نماذج مختلفة من دولة الرفاه:

  • النموذج الليبرالي: يتميز هذا النموذج بالمساعدة المشروطة وسياسات الضمان الاجتماعي المتواضعة للعمال ذوي الدخل المنخفض والإصلاح الاجتماعي في هذا النمط، مقيدا بقاعدة أخلاقيات العمل الليبرالية التقليدية وحدود الرفاهية مساوية للميل الحدي لاستبدالها بالعمل، الامر الذي يجعل قواعد الحصول على عناصر الرفاهية صارمة، وتقترن عادة بوصمة الدونية، والمزايا والفوائد تكون متواضعة (Andersen,2020)

ويحافظ هذا النموذج على التقسيم الطبقي القائم على الرغم من أنه يساهم في تحقيق المساواة النسبية للفقر بين المستفيدين من المزايا الاجتماعية ويسود هذا النموذج في الولايات المتحدة وبدرجة أقل في كندا وأستراليا.

2- النموذج المحافظ (التعاوني): ويقوم على النقابات المنضوية تحت مظلة الدولة ويهدف للحفاظ على تفاصيل المكانة الاجتماعية، وترتبط الحقوق بالطبقة والمكانة، وانتماء الفرد إلى صنف معين من الجماعات التي تنضوي جميعها تحت مظلة الدولة التي تحل محل السوق في توفير عناصر الرفاهية وتمارس فيه مؤسسات الرفاهية الخاصة دورا ثانويا.

ينتشر هذا النمط في فرنسا وألمانيا والنمسا وإيطاليا. ويعتمد على المؤسسات التي يديرها ويمولها جميع الأطراف في عملية الإنتاج التي تمثلها النقابات العمالية وأرباب العمل، وعلى الدخل الذي يحصل عليه العاملون بأجر في مؤسسات الإنتاج. والدولة لا تتدخل فيه مباشرة سوى في تأمين الاحتياجات الغير مرتبطة بالعمل والإنتاج، مثل إعانة الأسر بحسب عدد الأولاد، ودعم الفئات الأكثر فقرا.

3- النموذج الاجتماعي الديموقراطي: هذا النموذج شائع في الدول الاسكندنافية المذكورة أعلاه وله خصائص مشتركة في جميع جوانب السياسة الاجتماعية ورفاهية المواطن من خلال

التركيز على الاستفادة القصوى من القوة العاملة المتاحة.

تتمتع هذه الدول بأنظمة رفاهية شاملة تميزها عن الدول الأوروبية الأخرى، حيث تشمل الرفاهية فيها جميع الفئات الاجتماعية، بغض النظر عن علاقتها بسوق العمل، مع مستويات عالية جدًا من الحماية والخدمات مقارنة بنظيراتها الاوربية (حسين، واخرون،2006).

وطبقا لتقرير السعادة الدولية الصادر عن مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2022 فان هذه الدول حافظت على موقعها المتقدم من ناحية العيش برفاهية والشعور بالسعادة (جدول1) وفقا لمقاييس نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي والدعم الاجتماعي في وقت الازمات ومتوسط الحياة الصحية المتوقع وحرية اتخاذ قرارات الحياة الرئيسية والكرم في المجتمع

جدول رقم 1

ترتيب الدول العشرة الأولى في تقرير السعادة الدولية لعام 2022

المصدر: John F. Helliwell and others, Cit,p17.

وتدني الفساد والثقة الاجتماعية العالية (Helliwell,F et al,2022) .

وتعكس النماذج المختلفة لدولة الرفاهية المرونة الكبيرة التي تتمتع بها الدولة في اختيار السياسات الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق رفاهية مواطنيها وفق إمكانياتها ومواردها غير ان هذا الامر يرتبط ايضا بمدى توفر بيئة اقليمية داعمة لإنجاح سياسات الرفاه.

المبحث الثاني: البيئة الاقليمية ودولة الرفاه:

تعج البيئة الاقليمية العربية بالعديد من المتغيرات التي تشكل اما فرصا داعمة لتحقيق سياسة الرفاهية او تقف عائقا امام توفير اي من متطلبات او شروط الرفاهية المنشودة.

ولا شك ان سياسات الاصلاح والرفاهية والتنمية المجتمعية عموما تحتاج، على المستوى الإقليمي العربي الى أوضاع أمنية مستقرة وتعاون اقتصادي اقليمي فضلا عن بيئة اقليمية قابلة للعيش والاستدامة الى جانب مستوى عالي من الثقافة والتعليم وهم ما سيتم تناوله في هذا المبحث.

المطلب الاول: التحديات الامنية ودولة الرفاه:

1 – النزاعات الداخلية:

تلعب الاوضاع الامنية السائدة في البيئة العربية دورا معززا لسياسات الرفاه والتنمية على صعيد دول الاقليم عند شيوع العلاقات التعاونية ودورا معرقلا عند شيوع العلاقات الصراعية ذلك ان ادامة اجواء الامن والسلام الاقليمي وغياب او تراجع التهديدات الامنية الاقليمية تمكن دول المنطقة من التفرغ بشكل كبير لمعالجة قضاياها الداخلية وفي المقدمة منها العمل على تنمية إمكاناتها الاقتصادية والاجتماعية وايجاد الحلول لمشاكلها المجتمعية وخاصة ما يتعلق منها بإشباع الحاجات الانسانية وبناء مجتمع الرفاهية.

وطبيعي ان بناء بيئة امنية اقليمية امنة ومستقرة يتطلب حل وتسوية الخلافات والنزاعات القائمة بين دول الاقليم وبناء السلام وفق اسس العدالة والتوفيق بين مصالحها الامر الذي يجعل من هذه التسويات أكثر قدرة على الصمود والبقاء بوجه التغيرات التي تعصف بالواقع الاقليمي.

ومنذ أمد طويل عانت المنطقة العربية، ولاتزال، من تنوع النزاعات الداخلية والإقليمية (جدول 2) التي مثلت اخطر تهديد يواجه الدول العربية لما نجم عنها من خسائر كارثية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية لاسيما فيما يتعلق بعدم الاستقرار السياسي وتقويض شرعية النظام السياسي ونمو الجماعات المسلحة وتراجع النمو الاقتصادي وتدمير البنية التحتية والمرافق العامة وازهاق الأرواح والتسبب بحالات الإعاقة وسيادة أجواء القلق والمشاعر العدائية بين أبناء المجتمع الواحد والنزوح الداخلي والتهجير القسري (جدول3) حيث تشكل المنطقة العربية موطن لنصف عدد اللاجئين في العالم (الاسكوا،2015).

جدول رقم 2

بعض النزاعات في المنطقة العربية

المصدر: https://ar.tr2tr.wiki/wiki/List_of_modern_conflicts_in_the_Middle_East#List_of_conflicts

جدول رقم 3

عدد النازحين التراكمي في بعض الدول العربية جراء النزاعات والحروب 2021

المصدر: The Internal Displacement Monitoring Centre, global report on Internal Displacement 2022,p.29

 

2– التسلح واضطراب الأمن الإقليمي:

يدفع اضطراب الامن الإقليمي وانتشار النزاعات في دول الإقليم وحولها الى تعظيم قدراتها التسليحية الذي ينعكس، سلبا، على انفاقها المدني وتراجع مستوى الخدمات ناهيك عن ان سياسة التسلح تغذي الميل العدواني وتسبب بالتالي ارباك وتأزم العلاقات الاقليمية.

لقد كان المبرر الأساس لسياسة التسلح في الدول العربية هو حاجة هذه الدول الى ضمان أمنها واستقرارها الداخلي والإقليمي. بيد أن تجربة العقود السابقة أثبتت بطلان هذه المبررات فقد

ترافق مع ازدياد معدلات التسلح صور غياب الأمن وانتشار النزاعات الداخلية والإقليمية التي كانت الدول العربية وشعوبها الضحية الأولى لها.

وغالبا ما ولد التسلح شعورا بالهيبة والعظمة ودفع نحو تبني سياسات تصعيديه غير متوازنة، حيث كانت له نتائج عدة منها:

أ – تطوير المؤسسات العسكرية من الناحية النوعية بحيث زادت الفجوة بين المؤسسة العسكرية والمؤسسات الاجتماعية ومن أجل سد هذه الفجوة لجأت الأولى الى التوسع الخارجي في شكل الاشتراك في حروب أدت الى زيادة دورها في النظام السياسي بصورة أسهمت في خلق “الدولة البوليسية” التي تتميز بسيطرة المتخصصين في العنف عليها (مرسي،1990).

ب – تضييق نطاق الديمقراطية وعدم وجود قنوات التغيير الديمقراطي ذلك أن مواجهة الأخطار الخارجية يقضي بضرورة الإجماع القومي الفعلي أو الشكلي حماية للجبهة الداخلية والاستقلال والسيادة، بحيث أصبحت المطالب بتحسين الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية مطالب ثانوية تتراجع امام ضرورة الدفاع عن المصلحة الأمنية حسب حجج المدرسة الواقعية للأمن (Tripp,2013)

ج – عسكرة المجتمع وانتشار المجاميع المسلحة التي استثمرها النظام السياسي للدفاع عن مصالحه ثم اصبحت قوة منافسة للنظام السياسي اضعفت كثيرا من شرعيته ناهيك عن ان المعارضة للنظام السياسي اتخذت في الغالب طابع مسلح.

وبالنتيجة فإن التورط في حروب خارجية من جهة وغياب الديمقراطية من جهة أخرى كانا من أهم العوامل المعيقة لتحقيق تنمية اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية في هذه الدول، فالأولى

ساهمت في استنزاف الموارد وتعطيل المشاريع والخطط التنموية والثانية تحول دون الاستفادة القصوى من الموارد والكفاءات المتاحة وغلق المنافذ أمام المبادرات الفردية وبالتالي نزوع هذه الكفاءات نحو الهجرة الى الخارج.

2 – تحريف الإنفاق الحكومي:

غالبا ما يؤدي غياب الامن الداخلي والاقليمي الى تركيز الجهد الحكومي على توفير المتطلبات الامنية الامر الذي يؤدي الى تحريف الانفاق الحكومي واهمال القطاعات المدنية الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك برامج الرفاه الاجتماعي والخدمات التعليمية والصحية والتي يخصص لها جزء يسير من الانفاق الحكومي (أمين،2021، ص89-103).

وطبقا الى الإحصائيات الصادرة عن الأمم المتحدة تصل نسبة الإنفاق العسكري في الدول العربية مجتمعة الى (5.7%) من مجموع الناتج المحلي الاجمالي وهي نسبة مرتفعة قياسا الى الاتحاد الأوربي مثلا الذي تصل نسبة الانفاق فيه الى (1.6%) وترتفع هذه النسبة لتصل في عمان (10.9%) وفي ليبيا (15.5%) وفي أريتريا (20.9%) وفي المملكة العربية السعودية (8.4%) وفي الجزائر (6.5%) (البنك الدولي،2021)

وتعد هذه النسب نسبب مرتفعة قياسا الى مواردها المتاحة وحاجة شعوبها الى الخدمات وتحسين مستوى المعيشة.

ويغذي رواج تجارة الاسلحة في العالم العربي هو انتشار النزاعات الداخلية والبينية بين دول الاقليم وترابط التهديدات الامنية الداخلية والخارجية فضلا عن التدخلات الخارجية في هذه النزاعات ولهذا يلاحظ ان أغلبية الدول العربية ذات الانفاق العالي على الواردات العسكرية هي اما ذات طبيعة أمنية هشة او منهمكة في صراع اقليمي ممتد او في حرب اقليمية مستعرة.

المطلب الثاني: التحديات الاقتصادية:

اضافة الى التحديات الامنية السابقة تواجه الدول العربية تحديات اقتصادية لاتقل خطورة عنها حيث يلاحظ ان أغلبية الدول العربية تعاني من تدني مستوى النمو الاقتصادي وتراجع مستويات المعيشة وعدم القدرة على توظيف الموارد المتاحة لاغراض التنمية والرفاه الاجتماعي وشيوع ظاهرة الندرة التي ترافقت مع معدلات مرتفعة للتكاثر السكاني التي وصلت في بعض البلدان الى(5.13 % ) من مجموع السكان(ويكيبيديا، قائمة الدول العربية حسب عدد السكان،2022)

ورغم ان هناك من يجادل  ان النمو السكاني يمكن ان ينعكس بالايجاب على التنمية وان هناك امكانية   للتغلبعلى تحديات التنمية وندرة الموارد بالتعويل على الابتكارات والاستثمار في التكنولوجيا بيد ان هناك من يؤكد  أن العلاقة بين النمو السكاني المفرط والتنمية هي علاقة عكسية ليس فقط بسبب انعكاسها على نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي وانما ايضا لزيادة الضغط على الموارد (Peterson, 2017)

كما يؤدي اى  ارتفاع نسبة السكان دون سن الخامسةعشر (الفئات غير المنتجة) التي وصلت الى (32.6%) من السكان (مركز المستقبل للأبحاث، لماذا سيستمر التهديد الديموغرافي

في المنطقة العربية،2021).

وبغض النظر عن هذا النقاش فان الضرورة تقتضي التوازن بين معدلات النمو السكاني وتطوير الموارد المتاحة وبعكس ذلك فان الزيادة العالية في معدل السكان سنويا ستفضي الى ازدياد الطلب على الموارد وتراجع مستوى الخدمات وازدياد معدلات الفقر ومحدودية برامج الحماية

الاجتماعية وانتشار البطالة والتسبب بحدوث أزمات مجتمعية حادة ناهيك عن تراكم الديون الداخلية والخارجية التي بلغت1.4 تريليون دولار في عام 2020 للدول العربية مجتمعة أي ما يعادل 60% من الناتج المحلي الإجمالي (الاسكوا، نقص السيولة وارتفاع الدين في الدول العربية،2020).

وتتفاقم المشاكل الاقتصادية العربية بسبب غياب التنسيق بين الدول العربية وعدم التوصل الى إقرار خطوات اقتصادية مشتركة من شأنها الإفادة بشكل جماعي من الإمكانات المتاحة في السوق العربي لاسيما في مسألة الموارد والايدي العاملة وتوسيع التبادل التجاري وغيرها من المجالات.

المطلب الثالث: التحديات البيئية:

تتأثر التنمية المجتمعية عموما وسياسات الرفاه خصوصا بالنظام البيئي المحيط بالإنسان كما وتؤثران فيه في نفس الوقت. ذلك ان العلاقة بين الانسان والبيئة علاقة مترابطة فالسعي لإيجاد بيئة ملائمة يمكن ان تدعم الاحتياجات الإنسانية هو شرط أساسي لتحقيق مستوى متطور من الرفاه.

وبالمقابل فان تحقيق معدلات نمو عالية من خلال الاستغلال الجائر للموارد الطبيعية يلحق الضرر بالتوازن البيئي والتسبب بالتالي في حدوث مخاطر بيئية عديدة الامر الذي دفع العديد من دول العالم الى التركيز على تحقيق التنمية المستدامة وتحسين المستوى المعيشي لأفراد المجتمع دون الاضرار بالنظام البيئي ومكوناته (مرابط، الرفاهية الاقتصادية وجودة النظام البيئي،2018).

وفي العالم العربي حيث تتميز البيئة الطبيعية بتنوعها الايكولوجي وغناها بالموارد الطبيعية الا انها تواجه العديد من التحديات البيئية التي تحد من قدرة الدول العربية على تحقيق الرفاهية الاجتماعية.

ومن أبرز تلك التحديات التغيرات المناخية المتسارعة التي طرأت في المنطقة العربية والتي تمثلت بارتفاع درجات الحرارة واندلاع حرائق كبيرة في بعض الدول العربية (المغرب والجزائر) والفيضان في البعض الاخر (السودان) كل ذلك تسبب بخسارة مساحات واسعة من الغابات والأراضي الزراعية التي تعد المصدر الاساسي لمعيشة عدد كبير من السكان (المفوض السامي لحقوق الانسان، 2022).

والى جانب ذلك تبدو مشاكل الجفاف والتصحر وندرة المياه أكثر وقعا على الرفاه الاجتماعي حيث تفرز العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية كما هو الحال في الفقر والبطالة وازدياد التفاوت الطبقي وتدهور المستوى الصحي وانعدام الامن الغذائي وعدم القدرة على التأقلم البيئي والنزوح الداخلي (بوابة حكومة الامارات، التحديات البيئية في دولة الامارات،2020)

وساهم التلوث البيئي الناجم عن تقلص المساحات الخضراء والتوسع العمراني الكبير وتخلف القطاع الصناعي الذي يعتمد على استخراج وتكرير النفط في الدول العربية النفطية وتخلف الوسائل المستخدمة في التعامل مع النفايات فضلا استفحال النزاعات الداخلية والحروب الخارجية في انتشار

العديد من الامراض والاوبئة (جردي، واخرون، التدهور البيئي في الوطن العربي،2022) ويترافق كل ذلك مع ضعف الوعي البيئي لدى عامة الناس وغياب السياسات الحكومية الداعمة للحفاظ على البيئة الطبيعية العربية وان وجدت فإنها تنم عن محاولات محدودة لبعض الدول العربية او لمنظمات المجتمع المدني، الامر الذي يستلزم نشر الوعي البيئي والاهتمام الجدي بالمحافظة على البيئة وإيقاف التدهور البيئي الناجم عن الاستغلال الجائر للموارد الطبيعية والتوسع في مشروعات البيئة الخضراء وتحقيق شروط التنمية المستدامة.

المطلب الرابع: التحديات الثقافية:

لكي يتمتع الفرد بحالة من الرفاهية لابد له ان يحظى بمستوى متطور من الوعي الثقافي والعقلي الذي من خلاله يستطيع بناء شخصيته وتفعيل مشاركته المجتمعية.

من هناء فان تطوير الجوانب الثقافية والتعليمية تشكل أحد شروط الرفاهية. ومن خلال الثقافة يتم الحفاظ على القيم والأعراف الاجتماعية التي لها دورا كبيرا في توحيد المدركات المشتركة بين افراد المجتمع والشعور بانتمائهم الاجتماعي وتعزيز المشاركة الاجتماعية.

أضف الى ذلك ان بناء المجتمع المثقف المدرك لحقوقه وواجباته له دور كبير في انتظام وعي وسلوك الافراد وفقا للمصالح الاجتماعية العليا وخاصة ما يتعلق منها بالحفاظ على الامن

والسلام المجتمعي والسعي لتحقيق تنمية مستدامة وتحسين أسلوب الحياة والعمل على صيانة الموارد الطبيعية المتاحة (اليونسكو، التقرير العالمي لرصد التعليم،2016).

وعلى العكس من ذلك فان انحسار الثقافة وتراجع المستوى الثقافي من شأنه التسبب باضطراب الامن وتراجع الدافع نحو التنمية والتغيير وترسيخ القناعة بالواقع المتخلف والاضرار بالبيئة الطبيعية.

وترتبط الثقافة بدرجة أساس بمستوى التعليم ونوعيته ومدى الاستجابة الفردية والجماعية للتعلم والقدرة على توظيف العلم لصالح الرفاه وتحقيق التغير المنشود.

وفي العالم العربي حيث يعتبر التعليم حق دستوري كفلته كل الدساتير العربية الا ان هذ القطاع يعاني، شأنه شأن القطاعات الأخرى، من تردي الخدمات التعليمية الحكومية في كثير من الدول العربية وهو الامر الذي يتمثل بمظاهر عدة منها ضعف الموارد المادية، تخلف المناهج الدراسية، محدودية استخدام الوسائل التكنولوجية في التعليم، تراجع البحث والتطوير، الاعتماد على التلقين والحفظ، سوء الإدارة، الكثافة العددية للطلبة في الصف الواحد (خصاونة، واخرون،2016، ص44).

وبينما نجحت دول عديدة في العالم في برامج محو الامية تعد المنطقة العربية واحدة من

أضعف المناطق في مجال مكافحة الامية اذ أن هناك 69.4 مليون انسان في الفئة العمرية 15 سنة فما فوق ممن يعانون الامية في الوطن العربي مما يجعل المنطقة العربية تستحوذ على نسبة

9% من اجمالي عدد الاميين في العالم (الاسكوا، 2021، ص 117).

ان هذه التحديات التي تواجه الدول العربية في تحقيق الرفاه الاجتماعي وان كانت تبدو من الناحية النظرية منفصلة عن بعضها البعض الا انها مرتبطة أشد الارتباط من الناحية العملية وهو ما يمكن توضيحه في الشكل رقم 1.

الاستنتاجات:

في ضوء دراستنا لموضوع الرفاه والبيئة الإقليمية يتضح ما يلي:

1 – ان مفهوم الرفاه وان ارتبط من ناحية الظهور بمفهوم الرعاية الاجتماعية الا انه تطور ليشمل مفهوم التنمية بمفهومها الاوسع الذي يشمل كل جوانب الحياة الإنسانية.

2- ان الوصول الى حالة من الرفاه الاجتماعي لا يستلزم بالضرورة نموذج معين من النظام السياسي لكنه بالتأكيد يستلزم توفر متطلبات الحكم الرشيد والعمل على تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على مصالح المجتمع.

3 – ان الغاية العليا من وجود الدولة هو العمل على بناء مجتمع الرفاه الذي يمكن من خلاله صون كرامة الانسان واشباع حاجاته المعنوية والمادية واحترام حقوقه الإنسانية. ولذا فان التراتبية الجديدة في سلم التدرج الدولي ينبغي ان تغادر التصنيف المعهود القائم على امتلاك القدرات العسكرية او الاقتصاد المتطور وان يقوم على مدى نجاح الدولة او اخفاقها في تحقيق هذه الغاية الإنسانية لشعوبها.

4 – بالنظر للتداخل الحاصل ما بين المتغيرات الداخلية والإقليمية فان تحقيق دولة الرفاه يتطلب بمدى توفر بيئة إقليمية تعاونية.

5- ان التهديد الأكبر على دولة الرفاه هو التحدي الأمني الذي يشتمل على طيف واسع من التهديدات في مقمتها اندلاع النزاعات الداخلية والإقليمية وما يتمخض عنها من خسائر مادية وبشرية عديدة.

6 – ان التحديات الاقتصادية الإقليمية تمثل معوق اخر لدولة الرفاه فالضرورة تقتضي الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة لتحقيق اهداف التنمية المستدامة والحفاظ على التوازن بين النمو السكاني وهذه الموارد وتفعيل سياسات التنسيق والتعاون الإقليمي في مختلف جوانب النشاط الاقتصادي لاسيما ما يتعلق منها بسياسة التشغيل وانتقال الايدي العاملة بين الدول العربية.

7 – من التحديات المتزايدة امام دولة الرفاه هي التحديات البيئية الناجمة عن التغير المناخي المتمثل بارتفاع درجات الحرارة وانتشار الجفاف والفيضان وانتشار مساحات التصحر وشيوع الأمراض والاوبئة وتلوث الهواء والتي فاقمت المعاناة الإنسانية.

8 – تحتاج سياسة الرفاه الى الشخصية الإنسانية المثقفة الواعية لدورها الإنساني الامر الذي يتطلب العناية بالجانب الثقافي عموما وبالتعليم على وجه الخصوص عبر مواكبة التطورات التقنية وتوظيفها في مجال التعليم افقيا وعموديا والاهتمام بالجانب البحثي وتفعيل برامج محو الامية والارتقاء بالمؤسسات التعليمية.

الخاتمة

ترتبط القدرة على تحقيق الرفاه والتنمية على معطيات البيئة الإقليمية بما تتضمنه من متغيرات امنية واقتصادية وبيئية وثقافية.

وفي البيئة الإقليمية العربية حيث التداخل على اشده بين ما هو داخلي وما هو خارجي تبدو الصورة أكثر وضوحا ذلك ان أغلب النزاعات الدائرة في أكثر من بلد عربي هي نزاعات عابرة للحدود او تكون جاذبة لتدخل الدول المجاورة فيها (كما هو الحال في النزاع السوري والنزاع اليمني والنزاع الليبي).أضف الى ذلك ان واقع العلاقات الاقتصادية العربية الهشة حجم من قدرة أي من الدول العربية على استثمار الإمكانيات العربية المتاحة لتحقيق أي تقدم فعلي في مجال الرفاه او التنمية المنشودة وهو الامر الذي ترافق مع عدة تحديات على المستويات البيئية والثقافية.

وفي ضل استمرار هذه التحديات وتفاقمها من غير المتوقع، على الأقل في الأمد المنظور، تحقيق أي من أهداف الرفاه والتنمية المستدامة في أغلبية الدول العربية طالما ظلت هذه الدول أسيرة لمشاكلها الداخلية والاقليمية ودون اتخاذ خطوات جدية للتحرر منها واللحاق بركب التقدم الإنساني.

الهوامش

الأمم المتحدة، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب اسيا(الاسكوا). (2015). تقرير النزاعات طويلة الأمد والتنمية في المنطقة العربية. نيويورك.

أمين، تمار. (2021). “أثر الانفاق الحكومي على النمو الاقتصادي لعينة من الدول النامية خلال الفترة (2005-2019) باستعمال معطيات panel، أبحاث اقتصادية معاصرة:4(2):89-103.

ببيرك، عادل مصطفى. (2020). دولة الرفاهية في الفكر الليبرالي المعاصر. اطروحة دكتوراه (منشورة) مقدمة الى مجلس كلية العلوم السياسية، جامعة بغداد. العراق.

https://drive.google.com/file/d/1den21qtZvrQORucQHKqM6tm7g-1c_LR4/view

البوابة الرسمية لحكومة دولة الامارات العربية المتحدة. (20/12/2020). التحديات البيئية في دولة       الامارات.

https://u.ae/ar-ae/information-and-services/environment-and-energy/environmental-challenges-in-the-uae

البنك الدولي. (2022). الانفاق العسكري (% من اجمالي الناتج المحلي).

https://data.albankaldawli.org/indicator/MS.MIL.XPND.GD.ZS

حسام، غرداين. (2020). اللامساواة إعادة التوزيع وآلية الحماية الاجتماعية – دراسة تحليلية وقياسية لحالة الجزائر. اطروحة دكتوره (منشورة). كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، جامعة ابي بكر بلقايد. الجزائر.

https://bibfac.univtlemcen.dz/bibcentrale/opac_css/index.php?lvl=notice_display&id=43325

حسين، منى يوسف. (2011). الوصول الى الرفاهية علاقة بعض المكونات الاقتصادية بتوزيع الدخل والثروة   الوطنية، دار الخلود للنشر.

حسين، هادي. (2006). النموذج الاجتماعي الديموقراطي- دراسة مقارنة بين السويد والنرويج والدنمارك وفنلندا، في: مجموعة مؤلفين، دولة الرفاهية الاجتماعية. مركز دراسات الوحدة العربية.

خصاونة، سامي عبد الله، واخرون. (2016). واقع التعليم العام في الوطن العربي وسبل تطويره.المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.

الرازي، محمد بن ابي بكر. (2002). مختار الصحاح. بيروت: المكتبة الحديثة للطباعة والنشر.

الزبيدي، سعدون رشيد خضير. (2013). تحليل الاثر المتبادل بين الانفاق الحكومي الاجتماعي والنمو الاقتصادي في العراق للمدة (1980- 2012). رسالة ماجستير (منشورة)، مقدمة الى مجلس كلية الادارة والاقتصاد، جامعة كربلاء. العراق.

https://drive.google.com/file/d/1Km8aGl3XkhUiYUaWsWgBBy4MqExh54XM/view

العيسوي، إبراهيم. (2006). مداخلة، في: مجموعة مؤلفين. دولة الرفاهية الاجتماعية. بيروت: مركز     دراسات الوحدة العربية.

قائمة الدول العربية حسب عدد السكان.(21/9/2022).

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9

مرابط ، جميلة.(1/9/2018). الرفاهية الاقتصادية وجودة النظام البيئي.

https://www.maan-ctr.org/magazine/article/1976

مرسي، فؤاد. (1990). الرأسمالية تجدد نفسها. الكويت: المجلس الوطني للثقافة، سلسلة عالم المعرفة، (147).

المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الإسكوا). (2021). التقرير الاحصائي عن التربية والثقافة والعلوم في الدول العربية. تونس.

مركز المستقبل للأبحاث والدراسات. (19/12/2021). لماذا سيستمر التهديد الديموغرافي في المنطقة        العربية.

https://futureuae.com/arAE/Mainpage/Item/6954

منظمة اليونسكو. (2016). التقرير العالمي لرصد التعليم.

http://gem-report-2016.unesco.org/ar/chapter

مي جردي واخرون. (13/3/2019). التدهور البيئي في الوطن العربي: التحدي لاستدامة الحياة.

https://caus.org.lb/ar

ميشيل، باشيليت. (28/7/2022). بيان مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان.

https://www.ohchr.org/ar/taxonomy/term/789

نعمة، سعد عبد الحسين.(28/12/2019). العدالة الاجتماعية في الشريعة الاسلامية والنظم الوضعية(العراق أنموذجاً). https://adhwaa.net/

المصادر الأجنبية:

  1. Daly, M., & Lewis, J. (2018). Introduction: conceptualizing social care in the context of welfare State restructuring. In Gender, Social Care and Welfare State Restructuring in Europe.
  2. Garland, D.(2016). The Welfare State: A Very Short Introduction. Oxford:                   University Press.
  3. Hamlin, A. The Idea of Welfare and the Welfare State. Public Finance and
  4. Helliwell, J. F., Layard, R., Sachs, J. D., De Neve, J.-E., Aknin, L. B., & Wang, (Eds.). (2022). World Happiness Report 2022. New York:
  5. McLeod, E.(1999).Social Work: Health and Equality. Routledge.
  6. Sandmo, A.(1995). “Introduction: the welfare economics of the welfare state”. The Scandinavian Journal of Economics. 97(4):9.
  7. Sustainable Development Solutions Network.
  8. Klimczuk, A. Welfare State, [in:] Turner, B et al (eds).(2017). The Wiley-Blackwell Encyclopedia of Social Theory. pp. 1–5.

http://dx.doi.org/10.1002/9781118430873.est0406

  • Emily Tripp.(2013). Realism: The Domination of Security Studies, E-International Relations.

https://www.e-ir.info/2013/06/14/realism-the-domination-of-security-studies

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *